يعيش العالم العربي اليوم مخاضا عسيرا مشرقا ومغربا، بملكياته وإماراته وجمهورياته والشبه شبه، منذ "طوفان الأقصى".. وصراع إقليمي ودولي على وفي عالمنا العربي، تتداخل فيه روابط الإخاء الإسلامي وقربى الجوار ومصالح الكبار، من امبراطوريات فارس وبيزنطة والصين وروسيا والسند والهند والامبراطورية الأمريكية والدويلات الأوروبية من ملكيات وإمارات ودوقيات وجمهوريات تحاول التموقع جاهدة تنخرها شوفينية أقصى اليمين الفاشستي والنازي المعادي لنا معاشر العرب والمسلمين والأفارقة.. كل ذلك في غياب تام تونس وسبات عميق للديبلوماسية التونسية..
أول اسباب الغياب: عزوف رئيس الجمهورية عن ممارسة صلاحياته السيادية السامية في رسم وإدارة كبريات ملفات السياسة الخارجية، واثِّقاله لإدارة صغار الأمور الداخلية حينا وحشره نفسه أحيانا كثيرة في مستنع صغائر الأمور، بسلطات سلطانية بل فرعونية شاسعة ومطلقة تتناقض مع ضيق بل وتفاهة الاهتمامات التي "انحشرته" فيها الغرف الخفية الخلفية المظلمة للحكم "لغاية في نفس يعقوب" من عند يعاقبتهم..
وثاني الأسباب: تراجع رهيب وغير مسبوق لوزارة الخارجية وإفراغها من كفاءاتها القادرة على التحليل والفهم وتقدير الموقف وإنارة صاحب القرار الأسمى وتهميشهم، وتفريخ التافهين والمتزلفين الزائفين في مواقع القرار.. وذلك منذ سيطرة مديرة الديوان الرئاسي المستقالة عديمة التجربة والخبرة والكفاءة والمروءة على الوزارة وإلحاقها بأروقة القصر.. وقد تواصل هذا الإلحاق المهين على يد ورثتها في أروقة القصر من مستشارين رسميين وغير رسميين، من عديمي الرؤية وضعيفي التجربة والخبرة وحتى من قليلي المروءة أحيانا..
وثالث الأسباب: تخلي وزراء التدابير الاستثنائية الخارجية عن مهامهم في الدفاع عن السلك وعن مكانته ودوره المحوري في صياغة السياسات والمواقف الوطنية من القضايا الإقليمية والدولية وملفات السياسة الخارجية وفي تنسيق مجهودات كافة اجهزة الدولة في مجالات التعاون الدولي وفي إنارة صاحب القرار الأسمى، خدمة لثوابت الدولة وعقيدتها الديبلوماسية والمصالح العليا الشعب التونسي الكريم.. بل وإسهام بعض وزراء التدابير في تقزيم السلك والوزارة إلى مستوى "قميص عثمان" أيام "وزير التدابير عثمان" الذي كان ينتظر يوميا في مكتبه إن كان سيواصل حمل "قميص الوزير" أم لا ليومها، أيام "القطيعة المئوية" التي زادت عن المائة يوم بينه وبين رئيس الدولة بسبب دسائس مكيرة الديوان المستقالة إياها.. ولم تصلح الأمور مع "الوزير عمار" بل زادت انهيارا، عبر تحويل وزير التدابير الوزارة برمتها إلى "مزرعة عائلية" خاصة بالمقربين من "آل عمار" وتصفية واستبعاد من كان يعتبرهم أدوات "الوزير عثمان" رغم الكفاءة العالية لبعضهم وتقريب الكثير من التافهين وعديمي الكفاءة والتجربة والأخلاق والاقتصار على عدد قليل من أصحاب التجربة والخبرة والكفاءة.. ولا زال الراي العام يتابع خطوات "الوزير النفطي" الذي يبدو أنه نجح نسبيا في تحييد "سياسة التحفظات" العدمية في انتظار تأكد هذا الوجه بعد الاجتماعي الأخير الأحد 24 نوفمبر لمجلس الجامعة العربية في مستوى المندوبين الدائمين والذي مر بدون تذييل محفوظات "سفير التحفظات" وفي انتظار أداءه في باقي الملفات.. هذا بالإضافة لعجز وزراء التدابير المتعاقبين التام عن إنارة صاحب القرار الأسمى الذي لم يكن بدوره يمتاز بملكة السمع والإصغاء لأصحاب الرأي والاختصاص ولا يقيم وزنا كبيرا للمشورة..
ورابع الأسباب: نجاح "سفير التحفظات" لدى المنتظم العربي في القاهرة و"رمز خلية قدماء مكتب الاتصال البنعلي بتل أبيب" والسفير المريب لدى المنتظم الأممي بنيويورك، نجاحهما في عزل الديبلوماسية التونسية عن محيطها الإقليمي العربي والإسلامي والإفريقي.. وساعدهما قلة خبرة وتجربة المستشار الرئاسي الهمام لكل المهام "حوكي وحرايري القصر" وريث مديرة الديوان المستقالة وزميله السابق "صاحب صاحب البريد" و"ماسح الحذاء الرئاسي" الذي "انقفز" و"انقض" على سفارتنا بلشبونة رغم محدودية تجربته وتواضع خبرته بعد أن عاث إفسادا وترذيلا في البرتوكول الرئاسي؛ بالإضافة إلى تطفل العائلة والمحيط الرئاسي في الملف الدبلوماسي، من الشقيق الرئاسي، إلى الصهر الرئاسي، إلى الصهرة الرئاسية، إلى المدعوة "نانا ماركس" حرم الوزير المقال للتدابير الاستثنائية للداخلية المكني نفسه "الرفيق ستالين"، إلى ذلك "شُوهِيرَا ستالين" شخصيا..
نجح "تحالف الأشرار" ذاك في عزل تونس عبر خطاب المزايدة العدمية و"التحفظات" الحنجورية عديمة الجدوى "جملة وتفصيلا" في الاجتماعات المجلسية والوزارية والقمم العربية والإسلامية، والتصويت الغريب المريب بالامتناع عن مساندة مشاريع القرارات العربية الإسلامية الداعمة الحق الفلسطيني في الجمعية العامة للأمم المتحدة وترجيح كفة الاحتلال بغباء منقطع النظير في عالم أممي لا مجال فيه للحياد فإما مع فلسطين أو مع الاحتلال، لولا تنبيهنا وغيرنا لعبثية الحياد مما أدى لتصحيح الموقف وإيقاف النزيف وإن بصفة متأخرة ومع الإبقاء الغريب والمريب على ذات "رمز خلية قدماء مكتب الاتصال البنعلي بتل أبيب" ممثلا لتونس لذى المنتظم الأممي؟؟؟، في تناقض صارخ فاضح ومَعيب مع الخطاب الرسمي لرئيس الدولة في اعتباره التطبيع جريمة "خيانة عُظمى" وسفيرُه لدى المنتظم الأمم رَمْز (بفتح الرَّاء وليس بكسرها) أعتى أشكال التطبيع الديبلوماسي فُجوار؟؟؟..
وزاد التين بلَّة تداخل صراع الخلافة في سباق القصبة وقرطاج في الملف الديبلوماسي.. فقام الوزير المقال للتدابير الاستثنائية للداخلية "المكني نفسه ستالين" الذي كان يتسعد للانقضاض على "قرطاج" لإحياء ذكرى مئوية الانقضاض على السلطة لمَثله الأعلى "ستالين" الرفيق الأخ الأكبر، مدعوما بوزير التدابير عمار الذي كانت أعينه وحواسه تزيغ باتجاه الجلوس على "القصبة" لخدمة "اللوبي"، قاما بتجيير وتسخير الدولة التونسية لفائدة نزوات ومخططات وخطابات وحسابات أقصى اليمين الإيطالي "الفاشستي" وامتداداته وروافده الأوروبية، وتحويل تونس إلى حارس بائس للقلعة الأوروبية واستعداء جوارنا "الساحلي" لدول الساحل والصحراء وعمقنا الإفريقي، بثمن بخس زوارق خفر السواحل وبعض البنادق والأسلحة للقمع ودراهم معدودات، مقابل أن يكون وزير التدابير إياه "رجل روما" في "قرطاج" و"عين روما" على "قرطاج العظيمة"..
وهو ما جعل تونس تسير بدون بوصلة ديبلوماسية، وصلت حد التقاطع الموضوعي مع أنصار الاحتلال في الأمم المتحدة، وبلغت حد التخندق مع تحالف أقصى اليمين الشعبوي العنصري الفاشستي، من "ميلوني" إيطاليا إلى "استروزي" و"ماريني" لوبان فرنسا و"عربان" المجر وهلم جرا للديبلوماسية التونسية إلى أسفل السفلة وأسفل السافلين..
في حين تبدو طريق الإصلاح والنهوض والعودة إلى رشد الثوابت واضحة يسيرة، رغم وعورة مسالك السير وسط اشواك التحديات الداخلية والتعقيدات الإقليمية والدولية..
على أمل أن يستفيق رئيس الجمهورية من سباته الديبلوماسي وعزوفه عن ممارسة صلاحياته السيادية السامية في رسم وإدارة كبريات ملفات السياسة الخارجية، وأن يصغي ويصغي ثم يصغي لأبناء السلك المباشرين والمتقاعدين وللعارفين بالسياسة الدولية قبل أخذ اي قرار أو إجراء أو تعيين أو تنقل أو سفر أو زيارة..
فتونس أمانة ومصالحها العليا مسؤوليتنا جميعا.. وتونس تستحق الأفضل.. ولا تنمية داخلية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية بدون سياسة خارجية راقية وبدون ديبلوماسية وطنية ناجحة وبدون حضور تونسي قوي ومسؤول في المحافل الإقليمية والدولية، لرفع صوت الحق والعقل التونسي عاليا بين الأمم لخدمة المصالح العليا لتونس ولخدمة العدل والحق والتعاون والامن والسلام العادل بين الأمم..