تزويق غير موفَّق للمكتب الرِّئاسي يُخفي جزءا كبيرا من المملكة المغربيَّة ومن الصَّحراء المتنازع عليها ومن موريتانيا ومن مغربنا العربي الكبير على الخريطة الرِّئاسيَّة..
ازدان مكتب رئيس الجمهوريَّة بقصر قرطاج بصورة جديدة وضعها في مكتبه بعد تخطيط وتزويق وختم ونشر دستور الرَّئيس دستور 17 أوت 2022 وتدشين الشَّنة الأولى من الحُكم الرِّئاسي المطلق تحت سلطان التَّدابير الاستثنائيَّة التَّوسُّعيَّة.. ليصبح المكتب الرِّئاسي محاطا بصور الرَّئيس وبعالمه الخاص على اليمين وعلى اليسار خلف المكتب وعلى يسار المكتب أمام ميزان عدالة الرَّئيس، حتَّى تبرز في كل زوايا الصُّور والفيدويهات الملتقطة مع وزراء حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاسستثنائيَّة وكبار موظَّفي الدَّولة، ليظهر الرَّئيس أمام جمهور الرَّئيس قريبا من الشَّعب على الصُّور، في نفس ألبوم الصُّور اليومي الَّذي تبثُّه صفحة الرِّئاسة على فايسبوك من نفس الدِّيكور "الفيتيشيستي" وتنقل عنها القناة الوطنيَّة الأُولى وباقي وسائل الإعلام..
ومعلوم أنَّ أغلب النَّاس يبحثون عن أشياء أو ألوان أو أرقام تصنع عالمهم الخاص المميَّز، فيستحبونها في كل مكان، وتسمَّى بالفرنسيَّة "أشياء فيتيشيست" (objets fétichistes)، وترجمتها بالعربيَّة "الصَّنميَّات" "الوثنيَّات".. فكان الرَّئيس الأسبق المخلوع مغرما برقم 7 تاريخ اعتلائه الحُكم بعد انقلابه الطِّبِّي على الرَّئيس المؤسِس الزَّعيم الرَّاحل الحبيب بورقيبة ويعتبره رقم الخلود وأضاف إليه رقم 26ـ26 للحساب الجاري لصندوق التَّضامن الوطني فيما أوحى له بعض المشعوذين ليكون رقم النَّجاح الدَّائم وطمس أعين الحُسَّاد، أمَّا زوجته المخلوعة فقد كانت تتبرَّك باللَّون البنفسجي فيما أوحى لها به بعض "سحرة المغرب" لإطالة عمر سلطتها، وهلُمَّ جرَّا..
وبقطع النَّظر عن دلالة الأشياء الَّتي اختارتها الرّئاسة لتزويق مكتب الرَّئيس، وبقطع النَّظر عن قلَّة الذَّوق في وضع صورة أمام أُخرى، وبقطع النَّظر عن تفاهة ورداءة والانعدام التَّام للذَّوق السَّليم في وضع صورة عاديَّة عابرة لتغطِّي تحفة فنِّيَّة نادرة لها مكان خاص في قلوب وذاكرة التُّونسيِّين في مكتب الرَّئيس المُؤسِّس الزَّعيم الرَّاحل الحبيب بورقيبة ورمزيَّة الانتماء لتونس وللمغرب العربي الكبير..
بقطع النَّظر عن طل ذلك، فإنَّ الإشكال في صورة الرَّئيس سعيِّد الجديدة أنَّها تُغطِّي خريطة المغرب العربي الكبير، وبالأخص جزءا من السَّاحل المتوسِّطي الشَّمالي والأطلسي الغربي للمملكة المغربيَّة طنجة والرِّباط والدَّار البيضاء ومدينة مليلية والجزر العربيَّة المغربيَّة المحتلَّة من طرف إسبانيا وجزءا من الصَّحراء المتنازع عليها وجزءا كبيرا من دولة موريتانيا الشَّقيقة..
وهو خطأ تزويقي جسيم لا ينمُّ عن ذوق سياسي وديبلوماسي سليم لمن اقترح على رئيس الجمهوريَّة أو جاراه في وضع الصُّورة..
لرئيس الجمهوريَّة اختيار الصُّور الَّتي يراها مواتية على مكتبه رغم أنَّ العادة جرت أن توضع صور الأعلام من السَّابقين من رموز وأقطاب الأُمَّة وكبار فلاسفة العالم الَّذين يستلهم منهم رجل الدَّولة وليس صور نشاطاته..
ولكَّن وضع الصَّورة في هذا المكان يتسبَّب في تغطية جزء من مغربنا العربي الكبير، ويعطي صورة سلبيَّة عن بلادنا وعن رصانتها وعن ذوقها القيرواني الرَّفيع، والَّتي انطلقت منها أروى القيروانيَّة لتصنع أمجاد فاس العاصمة العلميَّة والرُّوحيَّة للممكلة المغربيَّة ولينطلق الفاتحون المسلمون والهُداة للأندلس وكامل إفريقيا يشعُّون نور الهُدى وتعاليم الدِّين القويم والذَّوق التُّونسي السَّليم..
هاته الخريطة نفسها أثارت في السَّابق حفيظة الجزائر، لأنَّها ترسم خطَّا أُفقيًّا مستقيما على حدودنا الغربيَّة مع الجارة الكُبرى الجزائر قبل الاتِّفاق على تسليمها جزءا من الأراض من بئر نيقولا إلى الحدود الثُّلاثيَّة في مستوى كامور 258 والمعبر الحدودي الجزائري اللِّيبي الآن دبداد ـ غدامس، لحرص دولة الاستقلال على تفادي الصِّراعات مع الجيران حول ما بيَّته الاستعمار الغاشم من نوايا خبيثة لاستباق وخلق نزاعات حدوديَّة مستقبليَّة بين الدُّول الإفريقيَّة بعد استقلالها.. وكان الزَّعيم الحبيب بورقيبة يردُّ بأنَّ الخريطة جزء من التَّاريخ وأنَّها لا تُلغي اتِّفاقيَّات ترسيم الحدود بما في ذلك التَّنازل للجارة الغربيَّة وللجارة الشَّرقيَّة لنعيش في سلام ووئام..
أمَّا تغطية جزء من تراب المغرب الشَّقيق وموريتانيا الشَّقيقة، وبدون سبب غير وضع صورة لنشاط رئيس الجمهوريَّة وهو يُدشِّن ورشات صنع كوانين في حيّ هلال في مشاريع أنجزتها بلديَّة تونس الحاضرة، فما أنزل الله بهذا الذَّوق من سُلطان، حتَّى تحت سلطان التَّدابير الاستثنائيَّة الَّتي لا يمكن أن تُلغي العُرف ولا الذَّوق السَّليم ولا التَّصرُّف الحكيم..
أليس في القصر رجل، ذكرا أو أُنثى، ليُبلغ ويُرشد رئيس الجمهوريَّة لوضع صور نشاطه أينما شاء لتملأ الشَّاشات وتفقع أعين المشاهدين، ولكن ليس أمام خريطة تونس ولا خريطة مغربنا العربي الكبير..
رجاء، كفانا صراعات داخليَّة وإقليميَّة وأخطاء ديبلوماسيَّة وسياسيَّة واتِّصاليَّة كارثيَّة..