نقطة نظام.. لا لإهانة الدَّولة.. لا للتَّشفِّي في خَدَمَة الدَّولة (Le Commis de l'État) بعد "زوال الانتفاع بهم"، لا للغرائز البدائيَّة والشَّعبويَّة.. انتقدنا السَّيِّدة سهام البوغديري نِمصيَّة وزيرة الماليَّة السَّابقة في حكومات الرَّئيس الثَّالثة والرَّابعة والخامسة وهي حكومات الرَّئيس الأولى والثَانية والثَّالثة للتَّدابير الاستثنائيَّة، وعارضنا سياساتها الماليَّة وقراراتها الإداريَّة ونبَّهنا لمواضع الخلل ومواطن الفشل في أدائها في إبَّانها وطيلة ثلاثة سنوات وثُلث، وبمضوعيَّة وشرف واحترام لآداب الخلاف والخصومة..
ولكنَّ الطَّريقة المُهينة الَّتي دفعت إليها الغُرف الخفيَّة الخلفيَّة المُظلمة رئيس الجمهوريَّة لإقالتها في مشهد مُصوَّر مُهين هو أسلوب غير لائق ومُدان وغير مقبول.. ويذكِّرنا بالأسلوب الَّّي دأب عليه نظام العقيد المخلوع القذَّافي وشقَّيْ البعث الَّذين أدمنوا ثلالثتهم على إهانة كبار موظَّفي الدَّولة أمام الميكروفون والكاميرا لإشباع غرائز التَّشفِّي البدائيَّة والعودة بالأمَّة لعصر ما قبل الدَّولة وما قبل أخلاق الرِّسالة المُحمَّديَّة وما قبل الحضارة..
السَّيِّدة البوغديري نِمصيَّة، وعلى عكس خليفتها عديمة الخبرة والأهليَّة في المجال أصلا، إطار سام وكفاءة من كفاءات الدَّولة في مجال الماليَّة العموميَّة، اجتهدت وأصابت وأخطأت، وغادرت اليوم المسؤوليَّة ليحكم التَّاريخ على أدائها..
ولكنَّ استهدافها اليوم بعد أن غادرت المسؤولية من طرف كرانكة التَّهريج والسَّفسطة وتزييف الوعي والهذيان من مُستكتبي أقبية الغرف الخفيَّة الخلفيَّة المُظلمة والإيحاء بأنَّها ضالعة في "تقديم تقارير مغلوطة لرئيس الجمهوريَّة"، والتَّسريبات الَّتي تُشير إلى إحالتها اليوم على التَّحقيق ووضع أشقَّائها على لوائح الاستشارة عند السَّفر وتحجير مغادرة التُّراب الوطني، أمور إن صحَّت تُثير عناصر القلق حول الطَّريقة الَّتي تُدار بها الدَّولة في اختيار وعزل المسؤولين، وتطرح تساؤلات مشروعة مُخيفة حول "حوكمة" السُّلطة تحت سُلطان التَّدابير الاستثنائيَّة التَّوسُّعيَّة سارية المفعول والمثيرة للجدل الدُّستوري والقانوني والفقهي والسِّياسي والأخلاقي المشروع..
ما حصل اليوم للسَّيِّدة البوغديري نِمصيَّة من ترذيل واتِّهامات مجَّانيَّة من أبواق المنظومة القائمة منذ 25 جويلية 2021 حصل لمن سبقها، بل أنَّ "عددا غير قليل" من رموزها بات اليوم محلَّ شيطنة من "كرانكة" المُوالاة وترذيل من "أوباشها"، وبعضهم محلَّ تتبُّعات قضائيَّة، وبعضهم يقضِّي يومه أمام "التَّحقيق" وبعضهم ممنوع من السَّفر.. وبعض القضايا جدِّيَّة تحيل على سؤول وُجودي حول مدى صواب ووجاهة اختيارهم الأوَّل وتعيينهم قبل إقالتهم المتأخِّرة إن كانوا فاسدين مُفسدين؟؟؟ وكثير منهم يدفعون ضريبة غرائز التَّشفِّي البدائيَّة والبحث عن "كباش ونعاج فداء"..
ولا نعتقد أنَّ السَّيِّد كمال المدِّوري رئيس حكومة الرَّئيس الخامسة والثَّالثة للتَّدابير الاستثنائيَّة وابن الإدارة يرضى بمثل هذه الإهانة لبنت من بنات الإدارة في أوَّل إقالة في الحكومة الَّتي يرأسها..
ورغم الخصومة الشَّريفة والخلاف في تقدير الموقف والسِّياسة والأداء، فلا نملك اليوم، أمام كل هذا الانهيار القيمي والأخلاقي، إلَّا أن نعلن كامل التَّضامن مع السَّيِّدة سهام البوغديري الإنسانة والمواطنة والإطار السَّامي بالدَّولة، وبالأخص مع زوجها الصَّديق سي حُسني نِمصيَّة أحد أبرز وأفضل الكفاءات التُّونسيَّة في مجال الدِّراسات الاقتصاديَّة وعلوم الاقتصاد الكمِّي وعلوم الإحصاء..
فالخلاف والخصومة لا يعني أن نسقط للقاع..
فترفَّعوا، يرحمكم الله..
ولنتذكَّر جميعا روح الحقوق ودولة القانون في إعلاننا التُّونسي "الفوق ـ دستوري" لحقوق الإنسان والمواطن، كما هو المفتتح به في "عهد الأمان، منذ عام 1857:
" تأكيد الأمان لسائر رعيَّتنا (مواطنينا) وسكَّان إِيالتنا (سُكَّان دولتنا)، علي اختلاف الأديان والألسنة والألوان، في أبدانهم المكرَّمة، وأموالهم المحرَّمة، وأعراضهم المحترمة، إلَّا بحق يوجبه نظر المجلس (العدلي) بالمشورة"..
و"من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد"..