عندما يتجاوز وزير داخليَّة التَّدابير صلاحيَّاته التَّرتيبيَّة ويناقض ما اتَّخده من تدابير وتبريرات سابقة ويشعر بالسَّعادة لإطلاق سراح صحفي اعتقله الأمن ويناقض تبريراته السَّابقة بالإقامة الجبريَّة فتكون بهتة المعاونين وشرود أبصارهم تحت الأرض وفوق السَّماء.
بينما توقَّف الموقع الرَّسمي لوزارة الدَّاخليّة على صفحات التُّواصل الاجتماعي فايسبوك عن تحيين الأخبار منذ لقاء وزير التَّدابير بالمبعوثة الأمريكيَّة، بسبب يردُّه عديد المتابعين لصراع بين أبناء الوزارة و"شركة بُثينة للأفلام والمولتيميديا" صهرة الوزير المتعاقدة الخارجيَّة مع الوزارة "لإنتاج المحتوى" الإعلامي، أطلق وزير الدَّاخليَّة في حكومة التَّدابير الاستثنائيَّة وابلا من التَّصريحات الإعلاميَّة والفرقعات والمعطيات والتَبريرات المثيرة.. وكأنَّ وزير داخليَّة التَّدابير يبحث عن تموقع جديد.. وتثير العديد من التَّساؤلات:
1ـ حديث وزير الدَّاخليَّة (وزير الضَّبط الإداري والأمني) عن الفساد في "الدِّيوانة" وأنَّه قيد المتابعة شخصيَّة من كبار المسؤولين في وزارة الدَّاخليَّة" هو خروج صريح بنص القانون عن مشمولات وزارة الدَّاخليَّة ولمز وتجريح في عمل وزيرة ووزارة الماليَّة وزارة الإشراف على الدِّيوانة التُّونسيَّة... فوزير الدَّاخليَّة ليس وزير "كل القوَّات الحاملة للسِّلاح" كما يحلو لرئيس الجمهوريَّة أن يجمع تحت وظائف القائد الأعلى للقوَّات المسلَّحة (الجيش والأمن بسلكيه والدِّيوانة والسُّجون والإصلاح)، بل هو وزير للدَّاخليَّة فقط ولوَّات الأمن والحرس فقط من بين عموم القوَّات الحاملة للسِّلاح، بينما تتبع الدِّيوانة لوزارة الماليَّة وتتبع السُّجون والإصلاح لوزارة العدل وتختص وزارة الدِّفاع الوطني بالجيوش..
2ـ قد يكون كلام وزير التَّدابير من باب الاستطراد والإسهاب والإسهال اللُّغوي للاستهلاك الشَّعبوي،
3ـ وقد يحمل معاني أُخرى تحيل إلى صراعات داخل الفريق الحكومي التَّدابيري لمَّح إليها صراحة رئيس الجمهوريَّة عندما أشار في وزارة الدَّاخليَّة إلى أنَّ "الدَّولة متماسكة"،
4ـ وقد "ينخرطون" في "صراع الخلافة" الَّذي أشارت عليه عديد التَّقارير الصُّحفيَّة واتَّهمت فيه الغرف الخفيَّة المظلمة الَّتي تحاول التَسلُّل للدَّولة لتخريبها من الدَّاخل، ولمَّح له رئيس الجمهوريَّة عندما استطرد في كلمته المتأخِّرة للتُّونسيِّين بمناسبة عيد الاستقلال المجيد، على السَّاعة الخامسة والعشرين بعد منتصف اللَّيل، في رواية خُرافة الرِّوائي الفرنسي لافونتان وقصَّة الغراب والثَّعلب الَّذي يريد سرقة الجُبن ناسبا أحداثا خياليَّة لم تقع للزَّعيم الرَّئيس الحبيب بوقريبة والوزير الأَوَّل محمَّد مزالي و"صراع الخلافة"، ومحيلا إلى تمكُّنه من "الانتصار على مخطَّطاتهم" دون توضيح هويَّة "الهُمْ"،
5ـ تعبير وزير داخليَّة التَّدابير عن شعوره ب"السَّعادة" بإطلاق سراح الصُّحفي الَّذي احتجزته مصالح وزارته سلوك ينُمُّ إمَّا عن نوع من مجاراة نصائح مكاتب التَّسويق للكوتشة في مجال الاتِّصال والتَّكويم، أو عن نوع من استبلاه المتابعين أو عن نوع من الانفصام في الشَّخصيَّة، أو ثنتاهُما معا، ويدلُّ بالمناسبة على غياب التَّواضع أمام الأحداث ومركزتها حول الذَّات وما يحيل إليه هذا السُّلوك الإداري من تضخُّم للأَنا صُرَّة العالم ورفض لتحمُّل المسؤوليَّة،
6ـ تبرير وزير التَّدابير لقرارات الإقامة الجبريَّة اللَّادستوريَّة واللَّاقانونيَّة الَّتي اتَّخذَها سابقا قبل ان يتراجع عنها تحت الضَّغط الدَّاخلي والخارجي والأُممي، بأنَّها "اتُّخذَت" في حق "أشخاص... كانوا موضوع أبحاث عدلية أو تشملهم أبحاث عدلية، وكان يتعيَّن سماعهم" هو عيْن المغالطة ومناقضة ما صرَّح به ذات وزير التَّدابير سابقا عند اتِّخاذ القرارات وعند تبريرها في ندوة صحفيَّة يتيمة بدون أسئلة الصّحفيِّين وعند إلالغاء مفعولها في غسق اللَّيل خوفا من موقف أممي صبيحة اليوم الموالي... بل كانت مبرِّرات الوزير آنذاك هي بطئ القضاء و"اضطراره" للحلول محلَّه ريثما يتعافى..
7ـ كما أنَّ إرداف الوزير بأنَّه "تمَّ باستشارة النيابة العمومية احالة ملفَّاتهم" فيه مغالطة إضافيَّة، ويتناقض مع تصريحات المحامين والمحاكم الَّتي نفت وجود أيَّة ملاحقات قضائيَّة في حق ضحايا الوضع تحت الإقامة الجبريَّة... بل بالعكس صرَّح المحامون بإيداع شكاوى جزائيَّة ضدَّ وزير داخليَّة التَّدابير ومن وشركائه، بتهم الاختطاف والإخفاء القسري والاحتجاز غير القانوني، وهي جرائم خطيرة يعاقب عليها القانون الوطني والقانون الدُّولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدُّولي أيضا،
8ـ بالإضافة إلى أنَّ هذا التَّصريح الخطير ينشأ مؤسَّسة جديدة هي مؤسَّسة "الإقامة الجبريَّة الإداريَّة" خارج نطاق"حالة الطَّوارئ" وخارج نطاق القانون... وهو بهذا التَّصريح الخطير المُوثَّق إعلاميًّا وأمميًّا يفتح الباب أمام "الاعتباطيَّة" والظُّلم المطلق ويطلق يد وزير الدَّاخليَّة لسلب الحُرِّيَّة لأي كان خارج نطاق القانون وخارج سلطان القضاء وسلطته المستقلَّة،
9ـ وفي موضوع وفاة مواطن تونسي بمناسبة إحياء الشَّعب التُّونسي لذكرى الثَّورة (17 ديسمبر ـ 14 جانفي، كما هو مقرَّر بنص ديباجة الدُّستور سارية المفعول وساري النَّفاذ)عزى وزير التَّدابير الوفاة، دون وصفها بالأليمة، إلى وجود "ملفا طبيّا" وتعرَّضه إلى "وعكة يوم الاحتجاجات وتم نقله إلى المستشفى لكن للأسف توفي"، ناقلا روايته لأحداث: "وقد بين الاختبار الطبي والتقرير الطبيب الشرعي أن المسألة تتعلق بجلطة".، في حين أنَّ روايات شهود العيان تناقض ما ذهب إليه الوزير وفي حين أنَّ القضيَّة جارية من مشمولات القضاء وليس القضاء فيها وتحديد الحقيقة القضائيَّة فيه من مشمولات وزير داخليَّة التَّدابير،
10ـ وهاته التَّصريحات الوزاريَّة تزيد من الشَّكوك المتصاعدة حول سياسة "الإفلات من العقاب" والتغطية عن التَّجاوزات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان... والأسوأ في تصريحات وزير التَّدابير هو "العجز الأخلاقي" عن الاعتذار وعن التنسيب وعن الإقرار باحتمال وجود أخطاء، والعزف على وتر التَّخوين للآخرين و"الهُم"،
11ـ كما أنَّ تهجُّم وزير التَّدابير عن أصحاب "الادعاءات بأن الوفاة حدثت نتيجة اعتداءات من منتسبي وزارة الداخلية"، هو تهجُّم على المدافعين عن حقوق الإنسان الَّذين يقدِّمون "ادِّعاءات" بحكم ما توفَّر لهم من معطيات في انتظار البت فيها من قبل القضاء أو الهيئآت الإقليميَّة والأمميَّة المستقلَّة لحماية حقوق الإنسان بعد أعمال التَّحرِّي المحمولة عليها، وليس لوزير داخليَّة التَّدابير أي دخل في عملها وفي أحكامها وفي استقاء مصادر معلوماتها،
12ـ أمَّا عن شعبويَّة الإعلان عن رفع "المرافقة الأمنية عن 25 شخصية" بحاجة "عدة مناطق وأحياء سكنية للحماية وللتجهيزات" فهو عين المُغالطة، ففقرة حماية أمن رئيس الجمهوريَّة تتبع رئاسة الجمهوريَّة، وفرقة أمن الشَّخصيَّات التَّابعة لوزارة الدَّاخليَّة لا علاقة لها بتاتا بالعمل في الجهات، بل هي مصلحة مركزيَّة مكلَّفة بحماية أمن الشَّخصيَّات الوطنيَّة وضيوف تونس من ممثِّلي الدُّول عند زيارتهم لبلادنا…
13ـ وقد استعمل وزير التَّدابير أوصافا سوقيَّة نابية لا تليق به كمحامي ولا تليق بمقامه الوزاري، حتَّى وإن كان مؤقَّتا عضوا في حكومة تدابير استثنائيَّة مؤقَّتة يحوم جدل كبير دستوري وقانوني حول شرعيَّتها وحول مشروعيَّتها، ولكنَّه يبقى وزيرا لتصريف الأعمال في كل الحالات لتأمين استمراريَّة الدَّولة، وعليه أن ينضبط لأخلاقيَّات ونواميس الوظيف... فتبرير "الحماية الأمنيَّة" ب"غرور" الشَّخصيَّات الوطنيَّة فيه استهجان غير لائق، وفيه تقليل خطير من حجم المخاطر الإرهابيَّة الَّتي استهدفت وتستهدف بلادنا ومسؤوليها والشَّخصيَّات الوطنيَّة فيها،
14ـ أمَّا عن ترويج خبر عن "محاولة طعن الوزير في قبلي"، فهو "إدِّعاء" خطير وجب إحالته حالَّا على أنظار النِّيابة العموميَّة ليفصل فيه القضاء ولينزل أقسى العقاب بمرتكب المحاولة وشركائه أو بمروِّج رواية الإيهام بجريمة إن كانت "الإدِّعاءات" عارية من الصِّحَّة،
15ـ وهو "إدِّعاء" إن صحَّ يكذِّب مزاعم وزير التَّدابير بأنَّ "الغرور" وحده هو وراء "تخصيص حماية أمنيَّة مكلفة"... فوزير التَّدابير نفسه الَّذي يتنقَّل بحماية سلطانيَّة قوامها عشرات الأعوان المدرَّبين المدجَّجين وعشرة سيَّارات وما تيسَّر من تسهيلات مركزيَّة ولإقليميَّة وجهويَّة ومحلِّيَّة، وقد وُفِّرت له ليس بسبب "غروره الشَّخصي" ولكن بسبب مقامه الَّذي يتطلَّب حمايته من احتمال "عمليَّة طعن" أو غيرها من الأعمال الإجرامية أو الإرهابيَّة،
16ـ أمَّا الصُّورة المرافقة فهي تُغني عن أيِّ تعليق... فإذا كان الوزير مقنعا ليقتنع به أولى معاونيه وأعضده اليُمنى واليسرى... وهم بالعكس، في حالة بهتة و"ازبهلال" من كلام وزيرهم وادِّعاءاته وتبريراته وعوده بتفعيل مشروع 2017 لبناء مستشفى جديد بضاحية بومهل بتمويل سعودي بعد سقوط وهم "المدينة الطِّبِّيَّة" في القيروان وإحالته لأرشيف وزارة الدِّفاع وحتَّى من تعبير الوزير في حضرتهم عن "سعادته الشَّخصيَّة" لإطلاق سراح صحفي اعتقلوه "الهُم" نفس أجهزة الوزير... البعض منهم يبحث في تهاويم السَّماء والآخر مغرق نظره لتحاويف الأرض، من فرط الإقتناع ب"ادِّعاءات" و"تبريرات" و"وعود" و"سعادة" وزير التَّدابير على وزراتهم، فما بالك بالرَّأي العام،