جينيف: مجلس الأمم المُتَّحدة لحقوق الإنسان يوصي اليوم تونس بإعادة النِّظام الدُّستوري وإعادة البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وهيئة مكافحة الفساد، ويدعو لاحترام الفصل بين السُّلطات واستقلاليَّة القضاء ولإلغاء المرسوم 54 ولمنع محاكمة المدنيِّين أمام المحاكم العسكريَّة ولإعلان وقف تنفيذ عقوبة الإعدام؛
في غياب وزراء حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة الَّتي اكتفت بإرسال فيديو كلمة مُسجَّلة مسبقا للسَّيِّدة بودن، وبحضور السَّفير باش طبجي وحيدا في جينيف، وبمشاركة وفد وزاري عن بعد عبر تطبيقة زوم، بينما حضر المجتمع المدني والمعارضة والرُّموز الوطنيَّة، استعرض مجلس الأم المُتَّحدة لحقوق الإنسان أوضاع حقوق الإنسان في تونس في إطار آليَّة الاستعراض الدَّوري الشَّامل اليوم 8 نوفمبر 2022 صباحا لمدَّة ثلاث ساعات ونصف بقصر الأمم بجينيف.
وقد شاركت أكثر من مائة دولة في الحوار، وجاءت أبرز التَّعليقات والتَّوصيات على لسان جمهوريَّة جنوب إفريقيا وأنغولا الشَّقيقة وبوتسوانا وألمانيا ودوقيَّة لوكسمبورغ ومملكة بلجيكا والبرازيل وسويسرا وكندا وهولاندا والولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة الصَّديقة.
حيث طالبت جنوب إفريقيا ب"إعادة النِّظام الدُّستوري وبإعادة المؤسَّسات الدُّستوريَّة الَّتي تمَّ تعطيلها أو حلُّها تحت سلطان حالة الاستثناء" (Restore the Constitutional Order and Reinstaurate the Parliament and the other Constitutional Democratic Bodies suspended or closed under the State of Emergency).
وأوصت دوقيَّة لوكسمبورغ بإنهاء التَّدابير الاستثنائيَّة (Mettre fin aux mesures exceptionnelles) وإعادةة البرلمان (Rétablir le Parlement) وإعادة هيئة مكافحة الفساد (Rétablir l'Autorité de lutte contre la corruption)، وتنفيذ توصيات هيئة الحقيقة والكرامة.
كما أوصت دولة بوتسوانا ب"احترام حقوق الإنسان، بقطع النَّظر عن الوضع السِّياسي".
وأوصت النُّرويج بإلحاح وعلى وجه الاستعجال باحترام الفصل بين السُّلطات (Urges Tunisia to fully respect the Separation of Powers) الَّذي يمثِّل حجر الزَّاوية في حماية حقوق الإنسان.
أمَّا سويسرا فأوصت باحترام استقلالية القضاء والمجلس الأعلى للقضاء واحترام المعايير الدُّوليَّة وحماية القُضاة من تدخُّلات السُّلطة التَّنفيذيَّة، وبتنقيح مجلَّة المرافعات العسكريَّة لحظر إحالة المدنيِّين أمام المحاكم العسكريَّة، وتنقيح المرسوم 54 وإلغاء التَّدابير الَّتي تؤدِّي للتَّضييق على حرِّيَّة التَّعبير والصَّحافة. وعت دول أخرى إلى إلغاء (Repeal) المرسوم 54 المثير للجدل.
وطالبت مملكة بلجيكا بإعادة المجلس الأعلى للقضاء (Rétablir) ومراجعة قانون 1969 لضمان احترام الحق في التَّظاهر.
وأشادت البرازيل بتصديق تونس على بروتوكل القبول باختصاص المحكمة الإفريقيَّة لحقوق الإنسان والشُّعوب في تلقِّي الشَّكاوي الفرديَّة.
ودعت بوتسوانا وكندا وكوستاريكا إلى مراجعة قوانين العدالة العسكريَّة وتجريم إحالة المدنيِّين أمام المحاكم العسكريَّة.
وأشادت تشيكيا وعدد كبير من الدُّول بإنشاء الآليَّة الوطنيَّة للوقاية من التَّعذيب ودعت إلى حمايتها وتعزيزها ودعم استقلاليَّتها وتنفيذ توصياتها. كما ذعت عديد الدُّول لتعزيز المؤسَّسات الوطنيَّة المستقلَّة لمكافحة الاتِّجار بالأشخاص ولمكافحة التَّمييز العُنصري، ومتابعة تنفيذ توصيات هيئة الحقيقة والكرامة للعدالة الانتقاليَّة.
وطالبت الدَّانمارك بالإشراع في تقديم التَّقرير الوطني (المتأخّر) أمام لجنة الأمم المُتَّحدة لمناهضة التَّعذيب.
وأجمعت ألغب الدُّول على ضرورة لإسراع بإنشاء مؤسَّسة وطنيَّة لحقوق الإنسان، عملا بالمبادئ الدُّوليَّة المُسمَّاة "مبادئ باريس"، وهو ما يوحي باقتناع العالم بأنَّ الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحُرِّيَّات الأساسيَّة منعدمة الوجود أصلا.
فيما دعت النِّمسا للإبقاء على القانون 88 وإلغاء المرسوم 54 واحترام حرِّيَّة الرَّأي والتَّعبير في النُّصوص وفي الواقع.
فيما عبَّرت الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة وأستراليا وألمانيا وأغلب الدُّول الغربيَّة عن تقديرها لثورة الشَّعب التُّونسي لسنة 2011 وعن تجديد وقوفها إلى جانب الشَّعب التُّونسي وطموحاته الدِّيمقراطيَّة، ودعت لحماية المكاسب الدِّيمقراطيَّة للثَّورة ولعشريَّة الانتقال الدِّيمقراطي، وأعربت عن قلقها من التَّراجع في حلة حقوق الإنسان في الفترة الأخيرة، وأوصت باحترام مبدأ الفصل بين السُّلطات، والحرص على تنظيم الانتخابات القادمة باحترام المعايير الدُّوليَّة للنَّزاهة والشَّفافيَّة وإدماج كل الأصوات بما في ذلك المعارضة، واحترام استقلاليَّة القضاء، واحترام حرِّيَّة الرَّأي والتَّعبير والتَّنظُّم والتَّظاهر.
وأوصت السِّينيغال وعدد من الدُّول الإفريقيَّة بضرورة حماية ورعاية اللَّاجئين وطلَّاب اللُّجوء واعتماد قانون وطني للُّجوء.
واهتمَّت إسلندا وعديد الدُّول الغربيَّة بتنقيح المجلَّة الجزائيَّة مجلَّة الإجراءات الجزائيَّة ومراجعة الفصول الَّتي تعتبرها انتهاكا للكرامة البشريَّة، وبالأخص الفصول المتعلِّقة بالزِّنا واللِّاط والفحص الشَّرجي.
وأوصت أغلب الدُّول الغربيَّة والإفريقيَّة بإلغاء عقوبة الإعدام وإعلان وقف التَّنفيذ.
وعلى المستوى المعياري، تقدَّمت أغلب الدُّول الإفريقيَّة بتوصية التَّصديق على اتِّفاقيَّة حماية حقوق العُمَّال المهاجرين وحافَّة أفراد أسرهم وعلى البروتوكول الملحق بالعهد الدُّولي للحقوق الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثَّقافيَّة المعني بقبول البلاغات (الشَّكاوى) الفرديَّة.
وركَّزت المملكة العربيَّة السُّعوديَّة وأغلب الدُّول العربيَّة على تعزيز الحق في التَّربية وضمان إلزاميَّة التَّعليم الأساسي، وعلى مكافحة الفقر متعدِّد الأبعاد، وعلى مكافحة العُنف ضدَّ المرأَة، وتمكين النِّساء، وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، واستطما بناء المؤسَّسة الوطنيَّة لحقوق الإنسان، والحد من ظاهرة الاكتظاظ في السُّجون.
فيما عبَّرت دولتان شقيقتان فقط عن دعم رسمي لما اصطلح على تسميته "مسار 25 جويلية". حيث عبَّرت الجزائر عن "تثمين مسار الإصلاح".
فيما عبَّر السَّفير المصري في تسجيل مسبق عن بعد من مكتبه عن "تثمين المسار الإصلاحي الشَّامل منذ يوليو 2021" في إشارة غير بريئة لمصطلح "يوليو" وما يحيله على الانقلاب المُسلَّح الأبيض (الحركة المباركة) ل"حركة الضُّبَّاط الأحرار" في 23 جويلية / يوليو 1952 في مصر، وإجبار الملك فاروق على التَّنحِّي ثُمَّ نفيه لإيطاليا وتتويج ابنه الرَّضيع ابن العشرة أيَّام الأمير أحمد فؤاد ملكا للبلاد وتسميته الملك فؤاد وتكليف لجنة الوصاية على العرش المكوَّنة من الأمير محمد عبد المنعم وبهي الدين باشا بركات والقائم مقام رشاد مهنا، قبل تسمية انقلاب الضُّبَّاط الأحرار لاحقا في التَّاريخ الرَّسمي "ثورة يوليو" لاحقا في 18 جوان 1953 بعد إلغاء دستور 1923 وحل الأحزاب السِّياسيَّة وإلغاء الملكيَّة وإلان الجمهوريَّة برئاسة نجيب.
وفي غياب رئيسة حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة المتواجدة في شرم الشِّيخ لأخذ الصُّور وتبادل الضَّحكات مع رئيس دولة الاحتلال في قمَّة المناخ السَّابعة والعشرين، وتفصِّي وزيري التَّدابير للخارجيَّة وللعدل من المسؤوليَّة، قام مدراء وموظَّفوا وموظَّفات الوزارت المعنيَّة بالاستعراض بتمثيل تونس وتقديم الإجابات باسم الدَّولة عن بعد من مقر وزارة الخارجيَّة فيما الوزير المندوب الدَّائم لدى الأمم المُتَّحدة جالس بمفرده في مقعد تونس في جينيف بدون سند، عكس البحرين الَّتي قاد وزير خارجيَّتها وفد بلاده بمشاركة أكثر من عشرين من ممثِّلي الوزارات، وفي حين يرأس وزير العدل المغربي الآن يوم أمس وفد بلاده بمشاركة أكثر من ثلاثين خبيرا من الوزارات، وتستعد الجزائر للاستعراض بوفد رفيع المستوى يرأسه وزير العدل الجمعة القادم.
وأهمُّ ما ورد في الإجابات التِّقنيَّة هو الرَّقم المفزع الَّذي قدَّمته وزارة العدل لأحكام الإعدام لسنة 2022 وحدها بعشرين (20) حُكم إعدام والسَّنة القضائيَّة لم تنته بعد. بالإضافة لقرارات الحط من عقوبة الإعدام إلى عقوبة سجنيَّة في 7 حالات سنة 2021 و10 حالات سنة 2021، دون تقديم معلومات عن العدد الجملي للأحكام والمكومين، ومع التَّذكير بأنَّ تونس لم تنفِّذ عقوبة الإعدام منذ سنة 1991.
كما تميَّزت الإجابات بتمكُّن تقني فنِّي من ممثِّلي الوزارات اكتفى بتقديم توضيحات، ولكن بدون التزامات سياسيَّة ولا تعاطي مع الأسئلة المتعلِّقة بانقطاع النِّظام الدُّستوري والعودة للشَّرعيَّة الدُّستوريَّة وإعادة البرلمان وهيئة مكافحة الفساد والمجلس الأعلى للقضاء، وعجز طبيعي عن تقديم التزامات باسم الدَّولة، نظرا لغياب وزراء حكومة التَّدابير ولمركزة القرار بقصر قرطاج.
وشهدت الاستعراض ردَّة فعل جريئة وإيجابيَّة ومشرِّفة من طرف ممثِّلة وزارة الخارجيَّة مديرة حقوق الإنسان الَّتي احتجَّت على كلمة وتوصيات الدَّولة القائمة بالاحتلال إسرائيل، "ترفض تونس كلمة وتوصيات الدَّول القائمة بالاحتلال الَّتي تنتهك يوميًّا حقوق الشَّعب الفلسطيني، وترفض التَّعامل مع آليَّات مجلس الأمم المُتَّحدة لحقوق الإنسان وترفض الامتثال لقراراته، وتطلب تونس من أمانة المجلس شطب كلمة وتوصيات الدَّولة القائمة بالاحتلال من مداولات الجلسة وتطالب بتسجيل موقفها رسميًّا برفض الكلمة وما ورد فيها".
على أمل أن تلتزم رئيسة حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة بالموقف الثَّابت للدَّولة التونسية وبمشاعر الشَّعب التُّونسي المناهض للاحتلال والمساند للحقوق المشروعة للشَّعب الفلسطيني، وتمتنع عن "التَّضاحك" في شرم الشِّخ وفي غيرها من المؤتمرات والمنتجعات مع رئيس الدَّولة القائمة بالاحتلال.
علما وأنَّ الاعتماد الرَّسمي للاستعراض الدَّوري الشَّامل سيتمُّ في الدَّورة الرَّئيسيَّة لمجلس حقوق الإنسان في مارس 2023، وسيتمُّ الاعتماد الأوَّلي يوم الجمعة 11 نوفمر القادم، وإعداد ملخَّص الجلسة ونشره رسميُّا بتاريخ 25 نوفمبر الجاري.
على أمل التَّفاعل الإيجابي للدَّولة التُّونسيَّة مع توصيات مجلس حقوق الإنسان وتنفيذها لتعزيز وحماية وإعمال حقوق الإنسان في النُّصوص وفي الواقع.