للمرَّة الثَّانية على التَّوالي، موقف غبيّ ومُخزي لتونس على لسان وزارة الخارجيَّة، برفضها مساندة شكوى جنوب إفريقيا ضدَّ الدَّولة القائمة بالاحتلال بحجج واهية لا يستسيغها لا العقل ولا الأخلاق ولا المنطق القانوني السَّليم..
حيث أصدر وزير التَّدابير الاستثنائيَّة للشُّؤون الخارجيَّة في حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة بلاغا تلاعبيًّا ضمَّنه موقفا مُخزيا: "إن تونس ... لن تنضم لأي دعوى تقدم ضد الكيان المحتل أمام محكمة العدل الدولية لما في ذلك من اعتراف ضمني بهذا الكيان."..
وهو كلام غير منطقي يناقض ديباجة البلاغ الَّذي يتحدَّث عن المشاركة في جلسات الاستماع لطلب رأي استشاري من ذات المحكمة كانت طلبته الجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة بإحالةٍ من لجنة التَّحقيق الدُّوليَّة المستقلَّة الَّتي أنشأها مجلس الأمم المُتَّحدة لحقوق الإنسان بعد شكوى من فلسطين والمجموعتين العربيَّة والإسلاميَّة ضدَّ الدَّولة القائمة بالاحتلال ذاتها..
فكيف نقبل بالمشاركة في جلسات الاستماع لإنارة رأي المحكمة لاعتماد رأي استشاري ونرفض في نفس الوقت المشاركة في أيِّ دعوى قضائيَّة أمام نفس المحكمة المنتصبة كجهاز قضائي يصدر أحكاما قضائيَّة باتَّة ومُلزمة وليس كجهاز استشاري فقهي يُقدِّم الآراء الاستشاريَّة؟؟؟
كما أنَّه كلام لا يستسيغه لا العقل ولا المنطق القانوني السَّليم ولا حتَّى الذَّوق السَّليم، وجعل بلادنا ودولتنا ومؤسساتنا محلَّ تندُّر واستهجان في العالم..
وهو موقف غريب ودخيل على تونس الَّتي كانت أوَّل دولة عربيَّة تشتكي بالكيان الغاصب وتنجح في استصدار قرارات إدانة واضحة ضدَّه، مرَّتيْن في تاريخنا وبأغلبيَّة تعانق الإجماع ل 14 دولة وتحفُّظ وحيد للولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة دون استعمال حق النَّقض:
الأولى: بعد العُدوان الغادر على مقرَّات القيادة العامَّة لمنظَّمة التَّحرير الفلسطينيَّة في غُرَّة أكتوبر 1985 بضاحية حمَّام الشَّاطئ الشَّهيدة؛
والثَّانية: بعد الاغتيال الجبان للشَّهيد القائد خليل الوزير أبو جهاد ورفاقه البررة في 16 أفريل بضاحية سيدي بوسعيد الشَّهيدة؛
والحمد لله أن كان لتونس يوم غُرَّة أكتوبر 1985 رجالات دولة، تحت قيادة الرَّئيس المؤسِّس الزَّعيم الرَّاحل سي الحبيب بورقيبة، ورئيس وزراء في حجم الرَّاحل سي محمَّد مزالي، ووزير خارجيَّة في حجم الرَّاحل سي محمَّد الباجي قائد السِّبسي، وسفير مندوب دائم لدى المنتظم الأممي في حجم الرَّاحل سي محمود المستيري، رحمهم الله جميعا وجزاهم عن تونس وفلسطين خير الجزاء، ببلائهم الحَسَن ونجاحهم في استصدار القرار 573 التَّاريخي لمجلس الأمن لإدانة إسرائيل على جريمة العُدوان وإلزامها بعَدَم العَوْد وبالاعتذار وبالتَّعويض..
والحمد لله أن كان لتونس يوم 16 أفريل رجالات دولة بحجم الوزير الأوَّل الرَّاحل سي الهادي البكُّوش الَّذي أقنع الرَّئيس السَّابق زين العابدين بن علي بالمواصلة على خُطى الزَّعيم الخالد في مواجهة المعتدي أمام مجلس الأمن، وأن كان لنا وزير خارجيَّة في حجم الرَّاحل سي محمود المستيري، وسفير مندوب دائم لدى المنتظم الأممي في حجم السَّفير الرَّاحل سي أحمد غزال، رحمهم الله جميعا وجزاهم عن تونس وفلسطين خير الجزاء باستصدار القرار 611 لمجلس الأمن بإدانة جريمة للعُدوان وجريمة الاغتيال السِّياسي ومطالبة الأمين العام للأمم المُـَّحدة بإحاطة المجلس علما بأيِّ طارئ والإبقاء على القرار مفتوحا للمتابعة ولإدانة المعتدي حال ورود الإثباتات..
وهو القرار الَّذي طالبنا بتفعيله بعد الاعترافات الرَّسميَّة لضبَّاط جيش الاحتلال بعد رُبع قرن من الجريمة، وقامت الدِّيبلوماسيَّة التُّونسيَّة مشكورة بتفعيله بطلب رسمي من مندوبنا الدَّائم لدى المنتظم الأممي سعادة السَّفير سي قيس القبطني، والَّذي عاقبته مديرة الدِّيوان الرِّئاسي المُستقالة بتحريض كرانكتها المنتشرين كالجراد في وسال الإعلام وبإقالته من منصبه في قضيَّة لا تزال مطروحة أمام القضاء منذ أكثر من سنتين..
ثلاث احتمالات وراء هذا القرار الغبي والمُخزي:
ـ إمَّا أن تكون وراءه "خليَّة قُدماء مكتب الاتِّصال بتل أبيب"، والَّتي لا تزال متنفِّذة على ما يبدو في أروقة الدِّيبلوماسيَّة التُّونسيَّة، حيث لا يزال أحد أبرز رموزها مساعد رئيس مكتب الاتِّصال بتل أبيب سابقا شخصيًّا سفيرا مندوبا دائما لتونس لدى المنتظم الأممي بنيويورك؟؟؟؛
ـ أو أن يكون الوزير عمَّار للشُّؤون الخارجيَّة في حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة أراد اغتنام الفرصة للتَّمايز و"التَّبْويز" والمزايدة للتَّقرُّب من المُحيط الفوضوي لرئيس الجمهوريَّة؛
ـ أو أن يكون رئيس الجمهوريَّة قيس سعيِّد نفسه هو من أوحى للوزير عمَّار بنشر الموقف المُخزي رغبة في التَّمايز الأجوف والمُزايدة الفجَّة على الجميع؛
وفي كلِّ الحالات، فإنَّ الموقف المنشور موقف غبي ومُخزي، وسيبقى وصمة عار في جبين تونس، مهما زيَّن "حزام الزَّقفنة" وكرانكة الهذيان وتزييف الوعي..
وعليه، لا مناص لرئيس الجمهوريَّة رئيس السِّياسيَّة الخارجيَّة للدَّولة من:
1ـ تعديل البوصلة، وسحب هذا الموقف المُخزي وتعديله، وإعلان مساندة تونس، مثل كل دول العروبة والأمَّة الإسلاميَّة قاطبة في بلاغات الجامعة العربيَّة ومنظَّة التَّعاون الأسلامي، للشُّكوى وتحشيد الدَّعم الدُّولي لها، والعمل على تبنِّيها على المستوى القارِّي الإفريقي وعلى مستوى المنظَّمة الدُّوليَّة للفرنكوفونيَّة الَّتي ترأسها بلادنا في مستوى القمَّة أي في مستوى رئيس الدَّولة؛
2ـ إقالة الوزير عمَّار والمندوب رئيس مكتب الاتِّصال بتل أبيب سابقا، وتفكيك خليَّة قدماء مكتب الاتِّصال بتل أبيب سابقا، وتطهير الوزارة من شرور شبكاتهم ومخطَّطاتهم ومن سوآت أعمالهم؛
3 ـ دعوة الفريق القانوني للشَّقيقة الكُبرى جنوب إفريقيا لتونس وتكريمهم، وتباحث سبل متابعة القضيَّة المنشورة أمام المحكمة؛
4ـ دعوة منظَّمات الانتماء، وأساسا جامعة الدُّول العربيَّة ومنظَّمة التَّعاون الإسلامي والاتِّحاد الإفريقي والمنظَّمة الدُّوليَّة للفرنكوفونيَّة لاجتماعات طارئة، لبحث سبل متابعة الشَّكاوى القضائيَّة ضدَّ الاحتلال، وبحث سبل حماية ودعم وتعزيز صمود ومقاومة الشَّعب الفلسطيني ومساندة حقه المشروع في تقرير مصيره وفي إقامة دولته المستقلَّة وعاصمتها القُدس الشَّريف؛
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون،