وإضاعة فرصة أخرى لتمثيل كل التُّونسيِّين
1ـ تكلَّم رئيس الجمهوريَّة، بعد منتصف اللَّيل بعد إضاعة فرصة الاحتفال بالذِّكرى السَّادسة والسِّتِّين للجمهوريَّة في يوم 20 مارس الأغر، تكلَّم لأربعة وثلاثين دقيقة ليشتم في ثُلُثها دولة الاستقلال ويبخِّسها ويمتنع عن ذكر خصال الزُّعماء والآباء المؤسِّسين، وفي مقدِّمهتم الزَّعيم الرَّاحل الحبيب بورقيبة والرِّجال البررة ذكورا وإناثا اللَّذين قادموا ملحمة الاستقلال الكبرى وبناء دولة الاستقلال المجيد…
2ـ وليستأثر بالمقابل بثُلثَي كلامه ليمجِّد ذاته بتضخُّم مَرَضي وليشيد بتدابيره الاستثنائيَّة ومشاريع مراسيمه الفردانيَّة واستشارته الالكترونيَّة المثيرة كلها للجدل الدِّيمقراطي…
3ـ بل وبرَّر مخاطبة الشَّعب بعد منتصف اللَّيل بأولويَّة تمرير مشاريع مراسيمه في مجلس وزارء دعاه مرتبكا مساء الأحد، بعد ترحيل الخميس، وأخَّر من أجله إحياء ذكرى الاستقلال المجيد في كلمة يتيمة إلى ما بعد منتصف اللَّيل… ورُبَّ عذر أفسد من ذنب… فالاستقلال والأعياد الوطنيَّة والدِّينيَّة هي مواعيد تاريخيَّة مضبوطة ومواقيت معلومة تُهيكل حياة الشَّعب ونسق الأُمَّة وتضبط نواميس الدَّولة…
4ـ أضاع رئيس الجمهوريَّة فرصة أخرى ليكون رئيسا لكل التُّونسيِّين، بل وأضاع فرصة أخرى ليكون رئيسا للجمهوريَّة رئيسا للدَّولة حافظا لذاكرتها ولهويَّتها وحاضنا لكل أبنائها، بل اختار أن يحاول أن يكون "متفيقها" في التَّاريخ، يقلِّبه ليطابق هواه كيفما يشاء…
5ـ بل وأوغل في الفجور في الخصومة مع دولة الاستقلال، بتكرِار رواية ضعيفة "تَدَرْدَش" بها سابقا، بدون سند، فيها إهانة مجَّانيَّة للزَّعيم الرَّاحل الحبيب بورقيبة وللوزير الأوَّل الرَّاحل محمَّد مزالي، بل وكان قد كذَّبها سعادة السَّفير أحمد القديدي الَّذي كان حاضرا في استقبال الضَّيف الإفريقي المُشار إليه في تونس بقصر قرطاج، ولم يذكر الرَّئيس الزَّعيم وزيره الأوَّل بسوء أمام الضَّيف، ولم يذكر أيُّ مؤرّخ نزيه معتد بروايته ما تهيَّأ للرَّئيس سعيِّد وتسرَّب إلى خياله الشَّاسع من وصف الزَّعيم نفسه بالغُراب ولا وزيره الأوَّل بالثَّعلب ولا من وصف الدَّولة بقطعة الجبن المتعفِّنة..
6ـ عيب كبير على رئيس الجمهوريَّة أن يقدِّم ما يوحي به له شياطين الإنس وما يتهيَّأ لخياله الشَّاسع، وكأنَّه حكيم المعرَّة يختلق شخصيَّة الشَّاعر "الجَحجلول" وحيلة السَير للورى "زَقَّفُونَة"…
7ـ عيب كبير على رئيس الجمهوريَّة إهانة الدَّولة التُّونسيَّة ورموز الدَّولة التُّونسيَّة وزعماء الدَّولة التُّونسيَّة وبُناة الدَّولة التُّونسيَّة في تاريخ عيد استقلال الدَّولة التُّونسيَّة…
8ـ عيب كبير على رئيس الجمهوريَّة أن يوحي في خطاب رسمي للأُمَّة بأنَّ الزَّعيم الرَّاحل لم يكن في أتمِّ مداركه العقليَّة وهو يستقبل مع وزيره الأوَّل ضيفا من ضيوف تونس المبجَّلين…
9ـ عيب كبير أن يُسوِّق رئيس الجمهوريَّة لروايات الغرف الخفيَّة المظلمة الَّتي سلَّلت إلى ذهنه وتحكَّمت في مصادره وشوَّشت الصَّفاء المحمول عليه فأصبح وكأنَّه يتلقَّى "الوحي" من شياطينها، وأن يعزو تعثُّر استشارته الالكترونيَّة إلى "تغيير مفتاح الرَّقم الهاتفي الدُّولي لتونس من 216 إلى 212" وهو رقم المغرب الشَّقيق، في رواية فضيحة لا يصدِّقها إلَّا حمقى "الرَّشم" في أطراف طاولات لعبة الورق في المقاهي القمئة البائسة…
10ـ عيب أن يحرّف رئيس الجمهوريَّة، في خطاب رسمي للأُمَّة، شعارات ثورة لم يشارك فيها من "التَّشغيل استحقاق، يا عصابة السُّرَّاق" إلى شعار إيديولوجي لأحد فصائل أقصى اليسار الماركسي المتسرِّب إلى محيطه الفوضوي و"الهياكل الشَّعبويَّة المُوقَّتة" للجان "تنسيقيَّاته" التَّفسيريَّة: "شغل، حرِيَّة، كرامة وطنيَّة"، في سطو إيديولوجي واضح فاضح بل ويفرضه كسؤال جوهري في استشارته الالكترونيَّة ويختزل فيه مقوِّمات الجمهوريَّة والاستقلال؟؟؟
11ـ عيب كبير على رئيس الجمهوريَّة أن يتَّهم خصومه ومخالفيه في الرَّأي والتظاهرين ضدَّ إجراءاته والَّذين "لم ينخرطون" في استشارته بالجُبن، وأن يستحضر في شتمهم كلاما للمتنبِّي في مدح سيف الدَّولة وأَنَاه المُتضخِّمة ممَّا لم يعد يستسيغه العصر ويمكن أن يُردَّ عليه: "وَإذا ما خَلا الجَبَانُ بأرْضٍ … طَلَبَ الطّعْنَ وَحدَهُ وَالنّزَالا"…
12ـ عيب كبير أن لا يرى رئيس الجمهوريَّة إلَّا "اَنَاهُ" المتضخِّمة وشخصنة الدَّولة في ذاته وحول ذاته وتحويلها إلى تأليه وعبادة شخصه، وأن يضيع فرصة كبيرة أُخرى قد لا تتكرَّر لأن يكون رئيسا للدَّولة التُّونسيَّة ورئيسا لكل التُّونسيِّين…
13ـ عيب كبير أن يوازي رئيس الدَّولة بين ما أسماه "أكثر من ثلاثة عقود من الاستعمار" الغاشم (الَّذي كان وصفه بالحماية بل وتبرَّأ أمام "صديقه "ماكرون" مقبِّلا كتفه في حركة مهينة متبرِّءا من الأصوات المطالبة باعتذار فرنسا عن جرائمها الاستعماريَّة في تونس وفي مغربنا الكبير)، أن يوازي بين استعمار غاشم دام في الحقيقة ثلاثة أرباع القرن وليس سبعة عقود وبين ما أسماه باستهجان غير لائق "قرابة سبعة عقود من بروتوكول الاستقلال"، وفي عيد الاستقلال المجيد… فحتَّى من باب المُزحة الثَّقيلة و"الفَيْقَهَة" الأستاذيَّة المدرسيَّة التَّعيسة "البائخة: عيب، عيب، عيب..
14ـ عيب، عيب، عيب… أن لا يرى رئيس الجمهوريَّة من الماضي والحاضر والمستقبل إلَّا ذاته وحدهها، وأن لا يقرأ التَّاريخ والحاضر والمستقبل إلَّا من خلال ذاته وبأَنَاهُ المتضخِّمة…
15ـ وليعلم الرَّئيس سعيِّد أنَّ الأشخاص ذاهبون وأنَّ تونس باقية، وأنَّ تاريخ تونس لم ولا ولن يمَّحي، رغم محاولات المسخ الاستعماري الَّذي دام ثلاثة أرباع القرن… فبقيت تونس وزال الاستعمار… وبقيت دولة الاستقلال شامخة تصلح ذاتها وذاتنا، وتبني مَجْدنا بعزَّة شَعْبنا طول المَدَى…
16ـ عيب كبير أن يخطئ رئيس الجمهوريَّة، في خطاب رسمي، بل أن يحرَّف القرآن العظيم ويخلط الكلمات بين آيِ الذِّكر الحكيم لتوافق هواه وتهويمات أَنَاه وتوظيفه للنَّص القرآني المُقدَّس خدمة لمشروعه السِّياسي الشَّخصي وإعادة كتابة التَّاريخ حول "أنَاه" ومركزة الدَّولة حول الشَّخصنة والتَّأليه لما أتاه… فأضاف آية جديدة من قرآنه لم ترد في القرآن الكريم: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا… وهيء لنا من أمرنا رشدا"، وهي مزج بين آيتين: "رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ"، من سورة آل عمران، والآية الثَّانية: "إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا"، من سورة الكهف، في استشهاد مقروء من جذاذة ورق متناثر بشكل غير سليم من القرآن الكريم، وفي خرق جسيم وغير لائق للفصل الأوَّل من دستور البلاد ولمشاعر العباد..
تحيا تونس، المجد والخلود للشُّهداء والوفاء للقادة الزُّعماء وعلى تاج رأسهم الزَّعيم الخالد الحبيب بورقيبة وبُناة دولتنا وجمهوريَّتنا، والعزَّة للوطن،
"وقُل اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ والمُؤْمِنُون"، صدق الله العظيم،