الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.. رحم الله المناضل الحقوقي والسِّياسي الكبير الأخ العزيز والصَّديق الوفي سي خميِّس الشَّمَّاري الَّذي غادرنا اليوم في أوَّل أيَّام سنة 2024 بعد مسيرة حافلة بالنِّضال والتَّضحيات..
عرفتُك أيُّها الأخ العزيز مدافعا عن حقوق الإنسان وكاتبا صحفيًّا وسياسيًّا وبرلمانيًّا وسفيرا وخبيرا حقوقيًّا وتنمويًّا وبرلمانيًّا دوليًّا، عرفتَ المحتشدات العسكريَّة والمنافي والسُّجون وقصور الحكم في السُّلطة البرلمانيَّة وسفيرا لدى اليونسكو، وكنتَ أحد أندر النَّاشطين الحقوقيين والسِّياسيِّين التُّونسيِّين الَّذين قاموا بنقد ذاتي عميق بعد التقاء سياسي عابر مع سلطة استبداديَّة تزَّيَّنت بالوعود الدِّيمقراطيَّة نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي..
كانت لقاءاتنا في تونس قبل المنفى صحبة الرَّاحل الشَّهيد المنعَّم صديقنا المشترك سي سحنون الجوهري الَّذي خبَّأْتَه في بيتك أيَّام محنته.. ثُمَّ لقاءاتنا في باريس وبروكسال وجينيف في المنفى، ثمَّ في تونس بعد المنفى، إلى أن وافتك المنيَّة اليوم بين أهلك وعشيرتك في موطنك الَّّي أحببته ورفضت أن تحمل جوازا غير جوازه وجنسيَّة غير جنسيَّته العظيمة..
ولن أنسى استجابتك اللَّطيفة لدعوتي لشخصك الكريم لتشرف المؤتمر الثَّالث والأوَّل في العلنيَّة القانونيَّة للاتِّحاد العام التُّونسي للطَّلبة سنة 1989، وأنت أحد أبرز قياديِّي اليسار التَّاريخي في تونس ومنظَّمته الطَّلاَّبيَّة الاتِّحاد العام لطلبة تونس، ولن أنسى وساطاتك لتقريب وجهات النَّظر ولتعزيز الوحدة النَّقابيَّة رغم تعدُّد الأطر..
ولن أنسى مقالاتك باسم مستعار من المنفى ثمَّ باسمك في صحف الحركة الدِّيمقراطيَّة التُّونسيَّة الَّتي احتضنتها حركة الدِّيمقراطيِّين الاشتراكيِّين رفقة القادة العظام سيدي أحد المستيري وسيدي محمَّد مواعدة ولقاءاتنا المتكرِّرة بالمقر التَّاريخي للحركة الدِّيمقراطيَّة بنهج جمال عبد النَّاصر..
ولن أنسى دورك في توحيد المعارضة الدِّيمقراطيَّة وفي اقتراح إضراب الجوع الشَّهير "الجوع ولا الخضوع" سنة 2005 على هامش القمَّة الدُّوليَّة لمجتمع المعلومات و"حركة 18 أكتوبر" الَّتي تمخَّضت عنه، رغم عدم مشاركتك في الإضراب لأسباب صحِّيَّة وتحفُّظك اللَّطيف عن التَّسمية الَّتي أطلقها شخصنا المتواضع ومشاركتك رغم ذلك في إنجاح الحراك المَدَني المطالب بالدِّيمقراطيَّة وفي إنجاح أُطر الحوار الدِّيمقراطي بين مكوِّناته ودورك في توحيد القُوى بكل ثراءها وتنوُّعها وخلافاتها وملابسات خلافاتها..
ولن أنسى دورك في إقناع الفيديراليَّة الدُّوليَّة لحقوق الإنسان بتبنِّي القضايا الحقوقيَّة التُّونسيَّة والعربيَّة والإفريقيَّة..
ولن أنسى دورك كخير ممثِّل لتونس وللعروبة ولقارَّتنا السَّمراء وللحركة الحقوقيَّة العالميَّة في صياغة واعتماد "مبادئ الأمم المُتَّحدة لاستقلاليَّة المؤسَّسات الوطنيَّة لحقوق الإنسان" المعروفة اصطلاحا "مبادئ باريس"..
ولن أنسى أيضا الخلافات العميقة الَّتي كانت ولا تزال تشُقُّ الحركة الحقوقيَّة والحركة الدِّيمقراطيَّة التُّونسيَّة، والتَّشَنُّجات والصِّراعات العنيفة الَّتي رافقتها، والَّتي اعترفت بجزئك من المسؤوليَّة عنها في نقد ذاتي ساهم في إكبار تقدير ذاتك لدى أصدقائك وخصومك..
ولن أنسى تنبيهك للمرض العُظال الَّذي أصاب الحركة السِّياسيَّة التُّونسيَّة وأوساط المعارضة للاستبداد بانتشار فيروس "القنَّاصة الافتراضيِّين المُلثَّمين" على وساط التَّواصل الاجتماعي كأبرز خطر يتهدَّد التَّعايُش السِّلمي بين التُّونسيِّين بعد الإطاحة المرتقبة آنذاك بالدِّيمقراطيَّة..
ولن أنسى نفحاتك الإيمانيَّة وأنت تواجه المرض من آثار اعتداء وحشي لأحد أعوان الجنرال المستبد بن علي منذ ستِّينات القرن الماضي، ولا تأمُّلاتك الرُّوحيَّة وأنت تتقدُّم السِّنّ، وأنت اليساري التَّاريخي الَّذي اختار إسمَيْ بنت الرَّسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وصهره وخليفته الرَّابع من خلفائه الرَّاشدين كرَّم الله وجهه، فاطمة وعلي، لتسمية ابنيك الَّذين رزقك الله بهما من زوجتك الفاضلة علياء، لهما ولها الليَّلة منَّا خالص المواساة..
ولن أنسى أيَّام النِّضال الجميلة بحلوها ومُرِّها وتوافقاتها واختلافاتها وخلافاتها العابرة والعميقة منها، فكلُّها جزء من مسيرة الحياة ومسيرة الكفاح من أجل الحُرِّيَّة..
رحمك الله أيُّها المناضل الكبير والأخ العزيز والصَّديق الوفي، وغفر ذنبك وأسكنك فسيح الجنان، ورزق زوجتك علياء وابنيْك فاطمة وعلي وأهلك واحبابك جميل الصَّبر والسُّلوان..
وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون..