ميّز غاستون باشلار صاحب المنهج التجريبي انواع الافراد الى ثلاثة، فمنهم الذي موقعه خارج السياق الاجتماعي، ومنهم المنغمس كليا في المجتمع الى حد الانسياق بالاغلبية، ومنهم من يراوح بين هذا وذاك.
والامر الذي يعنيني هنا هو النوع الاول الذي يتفاعل مع المجتمع (او الواقع) من خارجه اي ان مرجعياته وخلفياته ذاتية او مستوردة او تعود الى زمن ولى ولن يعود. فتجده يطوّعُ الواقعَ لقراءته الشخصية حتى ولو كانت محدودةً او غير ملائمة لأنها لا تستند الى الظرف الحالي، وهي بالضرورة ليست علميةً لأنه لا يوجد علمٌ خارج المجتمع ولان العلم انّما هو "حالي او معاصرٌ بالأساس.
فيفرضها على من حوله معتقدا انها هي الحقيقة المطلقة وانّ الآخرين سطحيون او متطفلون او في ضلال مبين. فتجده في موقع المُصدّر للأحكام القيمية محتكرا الحكمة والصواب وكأنّ شعاره "لا اُريكُم الاّ ما ارى".
فمثلُه كمثل الطفل الصغير الذي يختزل الدنيا في نطاق ادراكِه المحدود والمتعلّم الذي لم يكتمل مساره العلمي والجاهل الذي لا يُدرك حدود جهله… فاذا كان في موقع ضعف فهو يتحوّل الى ضحية ومناضل وشهيد واذا كان في موقع قوّة فإنّه يتحوّل الى دكتاتور لان الآخرين "خاطئون"…
ومن مواصفات الدكتاتور المحتمل انه ينفرد بالتركيز على نقاط ضعف الناس وحاجاتهم الاساسية المباشرة من أمن ومن خدمات معيشية وراء الشعارات السائدة، لكن الخاوية من مضامين، مثل العدالة الاجتماعية والتغيير العميق في المجتمع وتضخيم فشل الاخرين في خطاب غوغائي ومضخّم للذات، مفاده الانفراد بالحقيقة المطلقة…