واقع لا يبعث في جوهره على التفاؤل بمستقبل الاتحاد

يتحدث البعضُ عمّا يقع داخل اتحاد الشغل على انّه "أزمة عارضة" كسائر الأزمات السّابقة وانّ "الاختلافات انما هي حالة صحية"، وانّ "المنظمة قوية" ولها تاريخ لا يمكن التغافل عنه. وكلها تصريحات دقيقة الألفاظ لدرجة مداعبة واقع لا يبعث في جوهره على التفاؤل بمستقبل الاتحاد.

إلا انّ الأمرَ مختلفٌ تماما عن هذه الآراء ويدعو إلى الملاحظات التالية:

- الاتحاد -كمؤسّسة- وجب فصلُه عن الاشخاص النشطين فيه. فــالطبوبي والعباسي وجراد ليسوا من طينة حشــاد ولا بن عاشور ولا علي النجار وغيره. هؤلاء أسّسوا الاتحاد وقارعوا الاستعمار وأحدثوا مجموعة ضغط محترمة جدا الى حدّ استمالة حكومات فترة ما بعد الاستقلال لاستقطاب كوادرها وتأطيرهم (أحمد بن صالح)، ولكن في نفس الوقت ساهمت المنظمة الشغيلة طيلة عقود في ايجاد توازن قُــوى مؤسّــسية حَدّتْ من تدهور واقع الطبقة الشغيلة (بتوسع الطبقة الوسطى) الى حدّ ما وساهمت في شيءٍ من الاستقرار حتى وان كان (هذا الاستقرار) هشّــا.

كما دفعوا أثمانا باهضه من اغتيال وإِيقَاف وتضييق مقابل ذلك، في حين أنّ الحاليّين أخطأوا الهدفَ ووضعوا الفعلَ النقابي الصّرف في الخلف لفائدة الفعل السياسي بدفع أيديولوجي بيــّن. إذْ شاركوا في المفاوضات السياسية وفي التعيينات ضمن الحكومات وساهموا في تعطيل الأنشطة الاقتصادية بأعداد فلكية من الإضرابات خارج سياق مرحلة الانتقال، وكأنّ الأنشطة النقابية باتت وسيلة ابتزاز اقتصادي وسياسي تُقوّض البُعد الاجتماعي والوطني. وكأنّ الفعل النقابي لم يكن مًعنيّا بمُــستلزمات الانتقال الديموقراطي، شأنه شأن أنشطة العديد من الأحزاب والتنظيمات السياسية المُعارضة عُضويا.

- لم يثبت التاريخُ أنّ سُمعة القيادات النقابية الأُوَّل على عكس القيادات الحالية كانت ملطّخة بالتورّط في شبهات فساد، ولم ترسخ في اذهان العامّــة فكرة الكسب المادي الشخصي من خلال الانتماء النقابي، ولمْ يًــؤخذ الاتحادُ على أنّه منصّة انطلاق للتقدم الاجتماعي للأفراد، بل كان مظلّة تحتوي كل المعارضين باختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية عندما أُحكِــمت القبضةُ على الحريات.

- لم تتسع سلطة التمثيل النقابي داخل الهيئات الإدارية ولجان التوظيف ومجالس الإدارة أكثر مما شهدناه خلال السنوات العشر الماضية. إذْ كان ذلك رسالة إلى عامة الناس بضرورة المرور بالنقابة - الى جانب آليات أخرى موازية- لتلبية الاحتياجات الشخصية وحتى لإدارة المسارات المهنية في بعض القطاعات ... وفي المُقابل لم يتقلّص نطاق شعبية النقابة أكثر مما شوهد في السنوات الأخير، ذلك أنها لم تستطع تعبئة الجمهور إزاء "الضغط" الذي يواجه قادتها حاليا. وكأنّ العلاقة بين القيادة والقواعد أضحت مصلحية بحتة!

- أخيرا، لا اعتقد انّ للمنظمة الشغيلة أن تبتعد عن "الشيطنة" أو أن "تقوم بإعادة النظر في بعض قوانينها الداخلية" أو ببعض "الإصلاحات السطحية". فالأمر جوهري ويقتضي أن يُــغادر كل القائمين عليها حاليا وأن تتمكّن الأجيال الصّــاعدة من قيادة الحركة النقابية في البلاد؛ شأنها شان كل الأحزاب السياسية والمنظمات التي نفذت حُضوضُها في لعب أدوارها الطبيعية.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات