بالرغم من إعراب بعض الاصدقاء عن ارتياحهم لقرارات الرئيس، فاني لست متفائلا، لان العملية تبدو فيها ارتجال وتبدو غير مواءمة مع طبيعة تبريراتها التي هي الفساد وضعف اداء الحكومة والتعثرات الدستورية. فاذا كان نظام الحكم هو المعرقل الاساسي، كان من الاجدر تقديم مشروع استفتاء حول دستور جديد مما يفضي الى تثبيت نظام حكم جديد وبقاء الرئيس كرائد لجمهورية ثالثة، او تنحيه من الحكم في صورة رُفض مشروعه من خلال الاستفتاء.
واذا كانت محاربة الفساد هي التبرير الاساسي، فانه كان من الاجدر ارساء استراتيجية شاملة، ليست فقط قانونية واجرائية، بل وخاصة اقتصادية مؤسسية في ضوء التجارب الناجحة. وفي كلتا الحالتين ليس هناك ضمانات لاستكمال المسار الانتقالي وعدم الرجوع الى المربع الاول.
لانّ اولويات البلاد ليست "من يحكم" بل "كيف يحكم"، والاّ فان قرارات الرئيس يمكن ان تُفهم على انها ازاحة الخصوم السياسيين على ادراج "غضب الشباب" و"فشل الاحزاب السياسية في ادارة المرحلة".
لان تجاوز قوانين اللعبة قد يدفع مرتكبه الى الهروب الى الامام بما بنجر عن ذلك من تجاوزات اضافية تعطي للتحوط وفقدان الثقة في الاخر اسبقية عن مشاغل التونسيين الحقيقية.
لانّ المنقلب يحتاج الى عدم الاحتجاج ضده فينزلق نحو تضييق الحريات وايجاد حزام اعلامي يسطح بالضرورة الوعي الجمعي من خلاله. لانّ المنقلب يحتاج الى تواصل السند ممن دعموه.
لان القضايا الاقتصادية والاجتماعية الراهنة مستعصية جدا ومعقدة وتبنيها واحتكارها يحتاج الى قدرات استثنائية وترصيص الصفوف الوطنية ودبلوماسية اقتصادية نوعية وكذلك دعم مالي مباشر ان لزم الامر.
لانّ العشرين الفا من المتخرجين الجدد هذه السنة سيضافون الى المليون بطال في المنظور المتوسط مما يهدد السلم الاجتماعية مرة أخرى اذا لم تكن الحلول جاهزة. ذلك انه من المنتظر ان ينكمش الاستثمار الداخلي والخارجي ويزيد مناخ الاعمال تدهورا ويتدحرج الترقيم السيادي اكثر فاكثر.
لان التكلفة الاقتصادية والاجتماعية غير معلومة وان افُقها الزمني مجهول. لان الحُكم، كما يقول العرب، انما هو بين حلاوة الرضاع ومرارة الفطام.