خلال السنوات الاخيرة، أصبح التونسيون عموما والقائمون على الشأن العام في اهتمام متزايد بالملفات الاقتصادية التونسية وهذا أمر ايجابي لم يكن معهودا في العشريات السابقة. الا أنّ التعاطي مع القضايا الاقتصادية مازال في غالبه في مرحلة رؤيته بأعين "الأخرين".
فالملاحَظُ انّ التقارير الدّورية المنشورة من صندوق النقد الدّولي والبنك الدولي وكذلك من مكاتب الترقيم السيادي التي تقيّم أداء الحكومة والبنك المركزي في أدائهما للحفاظ عن استدامة الدين العام والاستقرار المالي وغيرهما كلها تتضمّن تحاليل مبسّطة وتوصيات تكاد تكون بديهية ومعقولة في مُجملها.
وبالرغم من ذلك فإنها تُؤخذُ على أنها مرجع للتحاليل وشهادة جديّة ذات "محتوى ابتكاري" والحالُ أنّ هذا العمل التطبيقي المباشر وجب أن تقوم به كذلك الجهاتُ المحلّية والاجهزة الوطنية وأن تنشره بصفة دورية مستعينةً بالكفاءات الوطنية وأنْ تكون هذه التقارير مَعينًا لتوصيات في السياسات الاقتصادية تؤخذ على محمل الجد وتُنزَّل في الواقع.
فهل نحن بحاجةٍ الى من يقول لنا إنّ نسبة النمو ضعيفة وإنّ مناخ الاعمال متدهور وانّ الدين العام غير مستدام وانّ الاصلاحات مُعطّلة وانّ الاولويات هي الاستقرار في الاقتصاد الكلي ودفع الاستثمار، وانّ نسق التطعيم الضعيف قد يؤخّر فترة تدارك الحركية الاقتصادية والتصدير لنسقيهما المُعتاد، وانّ البطالة هيكلية .... ثمّ تُنصب المنابر الاعلامية لترجمة هذه التقارير الى اللغة العامية .... اذ ترتفع الاستفادة من التقارير الدولية بقدر ما قام المحليون بدراساتهم المحلية.
أعتقد أنّ أجهزة الدولة عليها أنْ تنمّي قدراتها المؤسسية على غرار العديد من الدول المُقارنة بالعمل على متابعة الوضع الاقتصادي بالمستوى التقني والتحليل العلمي الموجود في التقارير الدولية، وهذا أمر ليس بالعسير، حتى لا نكون متأخرين في المبادرة وحتى لا نفقد قدراتنا التفاوضية.