خلصنا في الجزء الاول إلى بعض مظاهر المتاهات التي تكبل البلد في انطلاقته وازدهاره والتي تستنزف الطاقات وتبددها، وقد جمعناها في الاهتمام بالأمور المهمة في ذاتها والتي هي تافهة لذاتها.
ثانيا: اختيارات معكوسة بالجملة (Sélections Adverses)
في واقع مُكثّف بالمعلومات المفخّخة (وُعود انتخابية غير واقعية، صناعة "اصوات" مخادعة من غير الخبراء وغير المتخصّصين، هيمنة الاهداف الإجرائية على اهداف الإنجازات الحقيقيّة، تعويم القضايا الهامة، انتشار الحكم على النوايا في مناخ محدد بالثنائيات، استقالة العلماء والمتخصصين وضعف تكوين بعضهم،..) في مثل هذا الواقع من انتشار المعلومات غير المتماثلة (Asymétriques) سقط الجميع في اختيارات معكوسة. فتم الالتجاء (في اغلب الاحيان وبدون ان اعمم بالطبع) إلى أضعف وأهون ما انتج البلد من كفاءات في ادارة الشأن العام، منظّرين ومنفذين ومستقرئين للمستقبل.
فتسطّحت المفاهيم الدسمة والمعقدة وكذلك الوعي بما فيها من مخاطر وتحديات عند تطبيقها، مثل:
6- المطالبة بالتنمية:
وهي سابقة في حدّ ذاتها لأنها أخذت منحىً احتجاجيا وكانّ الاحتجاج لن يتوقف إلا إذا تحقق المطلوب! في حين ان مفهوم التنمية باختزال شديد، فضلا عن تعدد طرق تحقيقها واختلاف السياسات المطروحة :
(1) متعدّد الابعاد، لأنه يحتوي على النمو وتوزيعه واستدامته وعدالته وإنصافه ومصادره، علاوةً على أبعاد نوعية أخرى منها البيئية وغيرها،
(2) معقّدٌ، لانّه يستدعي انخراط العديد من الأطراف، و
(3) دينامي، لأن التنمية هي مسار تكاثري. والتنمية في الستينيات ليست تلك التي نقصدها في الألفينيات. واللافت هنا ان المطالبين بالتنمية كفّوا على الاحتجاج من اجلها وتنازلوا عليه، في حين ان المطلوبين بتحقيقيها لم يحققوها.
وللأسباب أعلاه، لم يتم تصوّر عام لتحقيق التنمية في البلاد حتى ولو مرّ على وزارة الاقتصاد والتخطيط أربعة وزراء في الثلاث سنوات الأخيرة، كما هو الحال منذ ما يزيد عن العشر سنوات الأخيرة التي مرت تونس فيها بتحديات هامة وازدادت هشاشتها بازدياد مخططاتها (2014-2019) و(2021-2024) التي لا تخضع البتّة إلى المناهج الحديثة في الشأن.
وهذه متاهةٌ لا يمكن للبلد ان يتدارك من خلالها التأخّر الحاصل في بنيتها الحالية ومستقبلها، ورجوعها في المربع الاول.
يتبع