علينا ان نقرّ اننا لسنا فنانين، او بالأحرى لا يمكن ان تنجب تونس حاليا فنانين، وحتى ان وُجدوا، فليس لهم ان يكونوا كذلك، واذا كانوا كذلك فهم معدمون.
فكيف للممثّل ان يحدد دوره في "اضحاك الناس"، براس مال لغوي وفكري ضئيل؟ الا اذا كانت معجزة مثل كلام عيسى عليه السلام وهو في المهد. لماذا يريد ان يُضحكهم؟ ولماذا هم ذاهبون اليه يريدون ان يضحكوا؟ هل نُضحك الناس في الفضاء العام بدون ان تكون لنا معهم علاقات خاصّة، او نُضحكهم لان الامر يتعلّق بالشأن العام-وهو مشترك-؟
واذا كان الامر متعلقا بالشأن العالم، فعلى "المضحّك ان يكون متمكّنًا منه، وقد غاص في ثناياه وانّ له موقفا متقدّمًا منه، عبّر عنه بالكوميديا مثلما يعبّر عنه المثقف المستقل بالكتابات او المحاضرات وكما يعبّر عنه السياسي والقادة والزعماء… ثمّ كلهم مسؤولون عن مواقفهم، والاّ كان عليهم ان يرجعوا الى بيوتهم (الفضاء الخاص) وان يصمتوا الى الابد.
وكيف لمصمّمي البنك المركزي ان يضعوا في الاوراق النقدية صورة بسيطة للزعيم حشّاد وكأنها بطاقة هويّة تمحو كل علاقة محتملة بين المواطن و حشاد الشهيد، حشاد الذي قارع الاستعمار، حشاد الجزء من تاريخ كل تونسي، في حين ان هناك صورا اخرى تعبّر بأكثر امانة عن سيرة الرجل وتاريخه.
وكيف "لتمثال" قُدّ لست ادري اين، ونُصّب في ساحة عامّة رغما عن اذواق مستهلكيه من المارّة، وقالوا انه يرمز الى "بلعيد" وانّ هذا الاخير كان يناضل من اجل تًونس، لو لم يحمل تحت إبطِه ملفّا كُتب عليه "تونس" وقيل انّه تمثالٌ لبلعيد؟ ما هذا؟ ما هذه الرداءة في تصنيف الفن؟ ما هذا التطاول بمقارنة ما اعتُبر "تمثالا لبلعيد" للتماثيل اليونانية والفرعونية الشاهدة بالصمت البليغ على العصور وعلى مخلّفات التاريخ الانساني، حيث "اصحابها الحقيقيون لا يعرفهم أحد"- كما قيل بتيلّد.
من هذا الذي ربح المناقصة لبناء تمثالٍ لبلعيد؟ ما هو تكوينه وماهي شهاداته في ميدان النحت؟ وكيف تمّ توقيع العقد معه ووفق اي خطوط مرجعية؟ انا اعتقد انّها كانت فرصة فساد مالي محتمله جدّا. وحتى ان لم يكن الامر كذلك، فما هي الا لبنة من لبنان التسطيح والامتناع عن الابداع وذلك لعدة اسباب، حيث يُعتبر مغنّي الرّاب، ذو الافق الفني المحدود جدا فنانا، وان يصبح ممثلو المسلسلات الرمضانية النكرات "ممثلين نجوما"، وان يُهمّش الفنان آخر حياته فيمرض ولا يجد دواء ويقترض ولا يستطيع ارجاع الدين….
- العلاقة الانتهازية بين من يعتبر نفسه فنانا والذي يستهلك فنّه،
- العلاقة الانتهازية بين الفن والسلطة،
- التيلّف والوصولية عبر "الفن"، مثلما هو الحال عبر ميادين أخرى،
- ضعف الذاكرة الجمعية وكانّها "مسار بدون ذاكرة" (processus sans mémoire) للمولعين بعلوم الاحصاء،
- العلاقة الانتهازية بين بعض وسائل الاعلام والسلطة والفن.
- وحتى لا انسي، الفشل الذريع لنظام التعليم الذي، من تداعياته، التقليص من القدرات التجريدية والتركيز والدقّة في الملاحظة وفي التمييز وفي تحمل المسؤولية.