الانتحال او الغش في الامتحانات كان معتمدًا منذ عقود، ولكنه كان مُعتبرا في اخر المطاف اخلالا بالقيم الاخلاقية ومؤشرَ ضعف في التكوين وفي الشخصية وانحرافا وهو منبوذ في المجتمع. ولكن عندما ياخذ منحى "الظاهرة" فانه يتوجّه نحو المأسسة والمقبولية في المجتمع، وخاصّة في المستويات المتقدمة من مراحل التعليم، فضلا على مستوى المنشورات العلمية٫ والأشنع في مناظرات البحث والرتب الجامعية، لانّ الرسائل التي يبثّها المنتحل الذي يتفوّق في المناظرة سيئة وسلبية جدًّا، واثارها الهدامة تحاكي اثار الالة الحربية او الكارثة: فليعلم المنتحل المتفوّق،
- انه سرق ما لغيره من ثمرة تعب وسهرِ ليال طيلة سنوات، وانّه لن يتمتّع بتفوقه لأنه لم يتعب للحصول عليه.
- انه باعتبار استحالة الحفاض على الاسرار في مجتمعِ ازمة اخلاقية، فانه سيُفضح آجلاً ام عاجلا.
- انّه قد يكون اخذ مكان غيره بالتفوق غير المُستحق، فسلب منه أحلامه فتبقى اللعنة تصاحبه الى آخر ايامه مثل الذي سلب ارض غيره او محل تجارة او رزق غيره بدون حق.
- انه سيكون مثالا للشباب ،الاجيال القادمة في ادارة مساراتهم المهنية، وسيساهم في قلب سُلم مقاييس النجاح الاجتماعي بحيث يصبح المجتهدُ والمثابرُ في اسفل السلم، والمتسلق والسارق والوصولي في اعلاه.
- انه سياهم في المس من القيم الجامعية الكونية بحيث مهمته ان يتجاوزه تلميذُه علمًا ودرايةً تُلغى من اول وهلة يتنصّب فيها في الرتبة الاعلى، وتلك هي المصيبة، لان العلم والمعرفة لا يزدهران الا بتجاوز الاجيالِ القادمة الاجيالَ السابقةَ.
والأخطر آن الامر يصبح ثقافة ،سلوكا وعقلية. عقلية السطو على احلام الناس.
امّا اذا أُخذت المسألة على انّه انتحل فصلا وحيدا من اطروحة غيره، او جدولا وحيدا من مقال غيره، او برهنة وحيدةً من معادلات غيره…، واذا حذفناها فان ذلك لا يؤثر على التقييم العام، فذلك مشكل آخر، كان من دخل دارا غير داره، وتجوّل في بعض غرفها ،ليس الكل اثناء غياب رب البيت، وتعدى على احد ابنائه وليس الكل، او سرق بعض مجوهراته وليس الكل، او اخرج سرّا من اسرار البيت وليس الكل،…، فالسارق سارق، والخائن خائن والكاذب كاذب حتى بالهزل.
وقد شهدت شخصيا العديد من الحالات وكانت ادارتها مختلفة باختلاف المسؤولين المتعاقبين على الجامعة، الى ان صدر قانون في بداية الالفين يحدد مسار المنتحل وهي الدلالة على تفشي هذه الظاهرة الخطرة في المجتمع. وكان ذلك في الواقع نتيجة تجاذب بين "السلطة الادارية" و"السلطة العلمية". فالأولى كانت تسعى الى تطويق مجال الجامعيين بالتدخل في ادارة المسارات العلمية و مُخرجاتها٫ اذ تقرر تثبيت نتائج الامتحانات من قِبل كاتب عام الكلية عوضا عن الاستاذ رييس مجلس المداولات (وقد قبل بذلك الاساتذة بدون مقاومة وبدون وعي في بعض المؤسسات في ذلك الوقت) ،التحديد من السلطة الادبية ،العلمية التي كانت في حوزة اللجان العلمية، حيث قبل ذلك كانت نتائج المناظرات تُعلن رسميا قبل ارسالها الى الوزارة، ايام كان الاستاذ الجامعي مستقلا بنفسه، وله السلطة العلمية التي لا يشاركه اياها أحد.
ولكن المسالة، اعتقد، انها اوسع من ذلك بكثير اذ كان من الضروري اعادة البناء بأكمله منذ السنة التحضيرية للتعليم الابتدائي…..