اتابع الاحداث في تونس بقدر ما تجود به بعضُ وسائل الاعلام الأكثر جديّة من غيرها… ثُم انهمك في فهم مسائل جزئية مثل نسبة الفائدة او تصريح هذا وذاك، أو "الجهاز السرّي” واهتمامات جزء من اليسار غير اليسار، أو محمد صلاح "فخر الشعوب" المنكوبة والمغتربة في أوطانها والتائهة عن قضاياها الأساسية وقوتها اليومي ومستقبلها…. ثُمّ اتوقف عن الاهتمام بهذه المتاهات واشعر بالكارثة قادمة:
(1) في الربع الأول من العام الجاري:
مؤشرات ركود اقتصادي في امريكا ذات ربع حجم الاقتصاد العالمي، وتباطؤ النمو في الصين ذات خُمس الناتج الإجمالي العالمي، وانخراط العديد من الدول الكبرى مثل الهند والبرازيل في استراتيجيات مراكمة المخزون الاستراتيجي من المواد الأساسية والمنتوجات الوسيطة.
(2) سياسات نقدية مُشدّدة في البلدان العظمى، والتي من أثارها المؤكّدة :
(أ) ارتفاع منسوب المديونية، و
(ب) التفاوت في الوصول الى تمويل العجز المالي في الدّول التابعة ذات التشوهات الاقتصادية المُزمنة والهشاشة اقتصادية الكُلّية وانعدام هامش مناوراتها في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية.
(3) بهدف كسر استراتيجية الدول المصدّرة للنفط التي تستهدف تعطيل أو تأخير الاتجاه نحو الطاقة البديلة وتعميمها، تم البارحة :
(أ) اعتماد عقوبات إضافية من أمريكا ودول الاتحاد الأوربي على روسيا التي لن تستطيع مواصلة ضغوطها بتصدير النفط والغاز -على الأقل في الاجل القصير- باعتبار الركود الاقتصادي في الصين وامريكا والدول المرتبطة بهما، واقتراب فصل الصيف، و
(ب) بداية الاتصالات لبلورة اتفاق اندماج اقتصادي مع آمريكا وبريطانيا واستراليا، بين 12 دولة محيطة بالفضاء الصيني والروسي (من بينها اليابان والهند والفلبين وكوريا الجنوبية)... مع -من جهة أخرى- إمكانية اتفاق دول الاوبيك على التقليص من الانتاج حتى لا تهبط الأسعار، مثلما كان الامر في الازمات النفطية السابقة…
في ظل هذه المؤشرات وغيرها وفي حالة تواصل الحرب في أوكرانيا، بما تُسبّبه من عدم استقرار سلاسل التزويد في العديد من المواد الخام والاساسية ومواصلة التضخّم في العالم، هلْ يهمّني مآل بالڤاسم الذي منه العشرات ان لم يكونوا مئات، أو تصريح "بالعيد" التي يوجدُ منه الكثير، ...، هل تهمّني مواقف "الزكراوي" وتصريحات "محفوظ"، التي لا تمثّلني كأستاذ تعليم عالي، أو اقالة وزير النقل الذي لا أعتقد أنّ التونسيين يعرفونه، أو يعرفون لماذا تمّ تعيينه أصلا ولماذا تمّت اقالتهُ؟ هل يهمّني طرد ممثلي لجنة البندقية؟
هل تهمّني كل هذه الاخبار الفارغة والاهتمام المفرط بها مُقارنةً بما ينتظر تونس من أزمة اقتصادية-اجتماعية خانقة لا يعلم مآلها أحدٌ من "النجوم الخبراء”، ولا يعلم أحدٌ عن استعدادات تونس لصدمة ثالثة لن تقدر على امتصاصها بعدَ ما انهكتها أزمة الكورونا وأزمة الحرب في أوكرانيا.