لا ابالغ لو اعتبرتُ ان جل التعليقات والتحاليل "الاحداث الاقتصادية" في البلاد التي تستقطب اهتمام الناس هي الترقيم السيادي، ميزانية الدولة والسياسة النقدية. واعتقد ان هذه المواضيع لم تأخذ حضها في التحاليل وفي السياسات كما ستحاول ان ابين ذلك:
1)) الترقيم السيادي:
يُقال"تدهورَ" وسيكون لذلك تبعات سلبية على الاقتراض من الاسواق العالمية، وستفقد شركاتنا المتعاملة مع الخارج صدقيتها وتتعطّل تبادلاتها، بدون التركيز على الاسباب الاقتصادية الحقيقية وتحميل كل طرف مسؤوليته والتفكير في تفادي الامر في المستقبل. وكان الامر كذلك طيلة العشر سنوات الاخيرة، وهو "الخوف من عدم القدرة على الاقتراض"!!!.
2) )ميزانية الدولة:
كيف ستتمكّن الحكومة من تمويل العجز! ولماذا يموّل دافع الضرائب ميزانية الدولة في حين ان الفاسدين لا يدفعون، وهذا ناتج من القطاع الموازي والاستيراد العشوائي (مصطلح غريب على علم الاقتصاد)، وان الفرضيات غير معقولة وان ميزانية الاستثمار منخفضة وكتلة الاجور عالية وان القاعدة الضريبية عالية. وهي المصطلحات المتكررة دائما بدون ملل ولا كلل ! ونادرا ما يتمّ التعرض الى الاسس المنهجية لبناء الميزانية، ولا لشروط استدامة الدين العام ولا الى السياسات، وهي الغائب الابرز في القصّة مع آليات التنسيق بين الجبائي والنقدي، علاوة على عدم التعرض للدورات الجبائية (المالية) وعلاقتها بالضغوط التضخمية!
3)) السياسة النقدية:
اللافت في الامر انه لمّا يُخفض البنك المركزي في سعر الفائدة، يقول البعض ان ذلك سيهدد الادخار، ولمّا يرفّع في سعر الفائدة يذهب البعض الى القول بان ذلك سيهدد الاستثمار من خلال ارتفاع تكلفة راس المال! وفي الواقع، لا هذا ولا ذاك بهذا التأكيد لان نسبة الفائدة على الادخار ثابتة، وليس من المؤكّد ان المدّخر يقوم باحتساب نسبة الفائدة الحقيقية في قراراته، كما انه ليس من الموكّد ان تراجعَ الاستثمار سببه ارتفاع نسبة الفائدة باعتبار ضعف "حساسيته" عند طلب القروض- الاستهلاكية والانتاجية.
ويدافع هذا على الرفع من نسب الفئة للسيطرة على التضخم اعتبارا انً هامش المناورة ضيق، معيدًا حرفيا ما جاء ببيان البنك المركزي من استهداف التضخّم، بدون ان يتساءل عن مدى مساهمته الفكرية، في حين ان البنك المركزي بالرغم من اعلانه عن هذا الهدف، فانّه يهدف كذلك الى الضغط على طلب العملة الاجنبية. ذلك انه يعلم ان طبيعة التضخم في غالب الحالات ليست نقدية ولكنها ناتجة من عوامل اخرى غير نقدية. واما القول بان التضخم امر عالمي ولا مفر منه، فان هدف المخزون من العملة الاجنبية يتاكّد حينئذ اكثر فاكثر! وفي بعض البلدان لا نجد هذه "الخبرة الشائعة لدى عامة الناس-وهذا امر طيب- لكن هناك ابعادا اخرى مهمة يمكن للخبراء التعرض اليها، وهي مهمة جدا مثل:
- تداعيات السياسة النقدية على توزيع الثروات وعلى التفاوت الاجتماعي في تونس.
- التشديد النقدي زمن الانكماش او التباطؤ في النمو الاقتصادي التونسي.
- ملامح "المحافظة" في السياسة النقدية، وهل ليس هناك من سياسة نقدية غير نسبة الفائدة- ففي العالم قد لا يتم الاعلان الا عن الرفع في نسبة الفائدة، ولكن في الواقع تتخذ البنوك المركزية اجراءات اخرى مصاحبة جزئية وترتيبية لا يتم الاعلان عنها في الغالب (مثل نسبة الاختصياتي الاجباري، او تغيير نطاق حزام الاستهداف، او جعله غير متساو، او تنويع نسب الفائدة حسب الآجال، وحسب القطاعات،…)، لكنها موجودة في رابط البنك.
- تبعات السياسة النقدية على السوق المالية في تونس. انظروا ماذا يقول الخبراء في العالم حول تطورات الاسواق المالية جراء سياسة الفدرالي.
- السياسة النقدية وسياسة التداين في تونس؟ فلنتابع تصريحات رؤساء البنوك المركزية وانخراطهم في اشكالية الدين العام واستدامته.
- هل هناك تضارب مصالح بين البنك المركزي والحكومة؟ اذْ مؤشرات الاداء لكلا الطرفين ليست متماثلة في العديد من الحالات.
اعتقد انه لو كان الاطار في تونس ملائما لكانت نقاشات مُعقلنة، يستفيد منها عموم الناس، والطلبة والبحاث الشبان وكذلك القائمون على الشأن العام.