-قد تكون هذه الشركات جملةً من المساهمات الفردية في تكوين مؤسّسات اقتصادية-تجارية في المناطق تعود بالموارد الى الأفراد المُساهمين، لكن ماهي المشاريع الاستثمارية التي ستكون مربحةً لفائدة الجزء الافقر من المناطق وهل للدّولة الامكانيات المالية واللوجستية للمساهمة الفعلية في كل المناطق وهل سيكون ذلك في شكل هبةٍ للمواطنين أم في شكل شراكة مع الدولة؟
علمًا و(أ) أنّ المناطق الداخلية تفتقر الى (1) البنية التحتية اللاّزمة و(2) المالية الشاملة الكافية (finance inclusive) وضيق (3) الأسواق باعتبار ضعف (4) متوسّط الدخل الفردي في المناطق الداخلية، وهي (أي، 1-4) من شروط مردودية المشاريع، و(ب) أنّ نسبة البطالة في البلاد ترتفع كُلّما ابتعدنا عن عواصم الشريط السّاحلي الشرقي لكن بأعداد مطلقة متضائلة خسب المسافة باعتبار تضاؤل الكثافة السّكانية (ما يعرف بتناقض تُودايْرو في الاقتصاد). وفي هذه الحالة لا نرى نطاقًا واسعًا ومتنوّعا للتشغيل بكثافة اللازمة على المستوى الكُلّي.
- قد تكون هذه الشركات الاهلية على غرار التجارب في بعض دول الخليج وغالبيتها في مجال التأمين. لكن، هل ممكن تعميمها في المناطق؟ لا نرى الحاجة لذلك.
- قد تكون هذه الشركات الأهلية في شكل “شركات خدمات عامّة” لفائدة البلديّات كما هو معمول به في بعض الدّول؟ لكن هذه الخدمات لا تحتاج الى العدد الوفير من العمّال كما لا تحتاج الى رأس مال بشري عالي المستوى.
- الأرجح، ما بقي هو أنْ تكون هذه الشركات الأهلية تتعلّق بأراضي الدّولة الزراعيّة والتي لم يتمّ استغلالها، وفي هذه الحالة ستكون في ضوء برامج "شركات الاحياء والتنمية الفلاحية" (SMVDA) التي تَعطّل بعضُها أساسًا لسببيْن (أ) عدم قدرة المعنيين بها على التمويل فالْتجأُوا الى كرائها الى بعض المستثمرين أو تخلّوْا عنها، و(ب) عدم مردودية بعض المزارع بحكم هيمنة الوسطاء في مسالك التوزيع للمنتوج أو عدم اختصاص المستفيدين منها، الاّ اذا أُلغيَتْ امكانية “الكراء” من الدولة وتمّ اهداء هذه الاراضي للشباب الاصليين في المناطق في شكل "تعاضديات" بملكية جماعية، مع تمويل من الدّولة او تمويل مباشر من البنوك مع حذف او مراقبة قطاع الوسطاء في التزويد والتصدير، ممّا يستوجبُ إصلاحًا شاملاً وعميقًا لكل القطاع الزراعي وتطويره مع اصلاحات للجزء من النظام البنكي المرتبط بالمناطق وبالقطاع الفلاحي مع تدخّل مالي وفني من الدّولة اذا استُهدف تعميمُ "هذه الشركات الأهلية في كل كامل أنحاء البلاد.
وفي المحصّلة:
(1) لا اعتقد انّ الشركات الأهلية في القطاع الزراعي ستكون فرصةً لخلق مواطن شغل كافية وذلك بالنظر الى :
(أ) تصاعد منسوب البطالة الهيكلية لاصحاب الشهادات العليا، و
(ب) طبيعة القطاع الزراعي ذي الكثافة العمّلية المنخفظة (non-intensif en travail) مقارنةً بقطاع الصناعات التحويلية أو الخدمات الحديثة، الاّ اذا عوّلنا على عوامل التأثير المضاعف (multiplicateur) على القطاعات الأخرى، وهذا غير وارد حاليّا في ظلّ البنية الصناعية الحالية للقطاعات في تونس، كما
(2) لا أعتقد انّ مواطن الشغل المستحدثة من “الشركات الأهلية” من خلال توزيع الاراضي على الشباب المعطّل عن العمل والاكثر فقرًا، ستكون كافية لمجابهة البطالة والفقر، و
(3) لا اعتقد انّ التشغيل سيُنجز في الأجل القصير… وأخيرًا،
(4) ان لم تكن “هذه الشركات الاهلية” :
(أ) تأصيلا للاشتراكية في الملكية بهدف تقاسم السلطة بين الدولة و”الشعب" كما جاء في الادبيات، أو
(ب) مدعاةً لالتفاف “الشعب” حولها، واذا
(د) كانت الخلفية محاربةَ الفقر وخلق مواطن الشعل، فانّه لا بُدّ من تعبئة الكفاءات الوطنيّة والالتجاء الى علم الاقتصاد في جزأيْه المتعلّقيْن :
(أ) بالتنمية الشاملة والمكانيّة، و
(ب) "سياسة العمل" التي هي في حدّ ذاتها متعدّة الأبعاد. فلا هي الاقتصار على بعث المشاريع، ولا دفع الاستثمار فحسب، ولا هي مواءمة نظام عرض المهارات مع تطوّرات المهن المستقبلية فقط، ولا هي اقتصار على الاستثمار في رأس المال البشري، بل كلّ ذلك مع حسن توجيه السياسات العمومية بما في ذلك السياسة التجارية الخارجية....