اجتماعيات تلقائية بعد أكثر من أسبوعيْن في تونس، بين التنقل بالأسواق، وسياقة السيارة في الطريق العام والقيام بخدمات عامة (بلدية، كوشة،…) بدون الرجوع الى شهادة بيرم التونسي على عصره في تونس حول الكلام البذيء، لأنه ليس عالم اجتماع ولا متخصص في علم النفس ولا النّظم اللغوية، فان العنف اللفظي هو كل الكلمات التي تستهدف امريْن في آن واحد: توصيل الفكرة والمس من ذوات الاشخاص.
وقد شهدنا في السنوات الماضية انتشار العنف اللفظي مع مأسسته، واستهداف الشخصيات العامة.
ومع المعذرة لذكر الامثلة، لكم البعض منها:
- كاراكوز.
- طرطور.
- بوجلغة.
- يبطى شوية.
- خوامجية.
- ديڤاج يا خُمّاج.
- (…)
وهي الفاظ عنيفة جدا، عميقة الترذيل، دنيئة الذوق، خاوية القيم، منحطة المستوى، ولا ترتقي الى علو تحديات المرحلة التي تمر بها البلاد ولا حتى الافراد كلٌّ في مجاله العلائقي الضيّق. وعلى كل حال، ليس بأصحاب هذه العقلية ذوي هذا المستوى الفكري المسطح ستُرفع التحديات وتتحقق الأهداف سواء فرديةً كانت أو مشتركة.
وهي (هذه الالفاظ العنيفة) تعكس -علاوة على سوء التربية وفشل النظام القيمي- كذلك في الغالب حالةً مرضيةً لقائلها او لكاتبها اذا تخيّر اراديا ضمن مخزونه من الالفاظ تلك التي لها وقعٌ اعنف من اخرى، حتى يشعر بلذّة "الانتصار" على المتلقي ويثبت ذاته بالدوس على سُلّم القيم، ويحصل له ارتياح داخلي باعتباره مسّ من ذات مخاطبه. كما تتجلى مظاهر هذه الحالة عندما يكون محتوى الكلام مبنيا على الظنّ او فرضيات شخصية غير مبرهن عليها، استنتج منها صاحبُها حُكمًا قاسيا. وقد يتحدث في ذلك المتخصصون في علم النفس واعراض الاضطرابات النفسية لفاقدي العقلنة وذوي العجز الهيكلي للمساهمة بقيمة مضافة ايجابية في حياتهم وحياة غيرهم.
واما اذا كانت هذه الالفاظ تلقائيّةً وكانّها امرٌ طبيعي، فتلك هي الكارثة. ذلِكَ انً الشخص في هذه الحالة يطلق العنان للعنف اللفظي بدون مقاييس قيمية الى ان تتفشى هذه الظاهرة فتجذب بمستوى الاتصال بين الافراد الى الاسفل، وتفرض البقاء في المربّع الصفر.
فتنهر الام ابنها الصغير بدعوى الدور "البطولي" الذي تقوم به في "تربيته" ويسب الرجل زوجته او بالعكس، ويتفشى ذلك لدى الابناء والعائلة وفي المجتمع عبر الفضاء العام، ويهين المدرّس طلاب العلم وتنتكس النفوس النقية لهذا النظام اللغوي البائس.
فتنهار العلاقات النبيلة بين الناس وتتفكك. ويمر العنف اللفظي الى العنف المادي، وتنطفئ شعلة الحنين الى الحبيب، وحب الولد لأخيه وولاء الصديق لصديقه،… فتكثر النزاعات والانفصالات ويتكبّد الفرد والمجموعة تكاليف ومتاعب ترهق نفوسهم، وتُضيع وقتهم في النزاعات، وتتبدّد المقدرات وتضيع اجيال.