اطلعت مؤخرا على ترتيب محافظ البنك المركزي من قِبل "غلوبل فايننس" (GF) بعلامة "سِي"، وهي بين "آي" -الافضل- و"أفْ" -الاسوء- ثم تابعت بعض التعليقات التي منها الموضوعي ومنا العاطفي والحماسي الذي ليست له اية علاقة بالموضوع الاصلي.
وفي هذا السياق وجب الوقوف عند بعض الملاحظات -غير التقنية- لعلّ اهمها التالية:
- الترقيم/الترتيب - موضوع الحال- ليس له علاقة بأداء المالية العامة ولا وزارة المالية ولا الحكومة ولا استقرارها ولا تغيراتها... فكل هذه المعطيات هي ماخوذة كما هي (given). وكل اشارة متعمّدة الى ذلك والتركيز عليه بإسهاب انما هو من قبيل اللغو الاقتصادي في الفضاء العام او المناكفة والمساهمة السلبية في المناخات الحالية، والامثلة كثيرة مثل القائل عبثا "عندنا نظام بنكي حسدونا عليه" و "البنوك تربح، تموّل في الاقتصاد وتدفع في الضرائب" الى غير ذلك من الجمل المستهلة في غير محلها..
- الترقيم/الترتيب يهتم فقط بردود افعال المحافظين للبنوك المركزية ومدى مواءمتها مع الظرف الاقتصادي في فترة مُحددة بين جون ٢٠١٩ وجولاي ٢٠٢٠، وليس بالمرة تقييما للسياسات النقدية برمتها واثارها على الاستثمار الذي يتطلب المدى المتوسط (بل سُبل تعطيله والتضييق على تمويله هو الذي يُمكن ان يُؤخذ بالاعتبار) ولا هو الوقوف عند نجاحات او اخفاقات محافظي البنوك المركزية منذ تعينهم. فلا فائدة اذن من الخروج عن الموضوع الا لغايات الترويج المجاني والاستخفاف بالوعي.
- لا يمكن التصدي او الدفاع عن هذا الترقيم الا بالرجوع الى منهجية ارسائه واعادة كل العمل التقني.
- اذا كان الترقيم جيدا او سيئا فهي فرصة للقوف عند النجاحات ودعمها وعند الاخفاقات والحديث عن سُبل تفاديها في المستقبل.
- الترقيم السنوي - الذي بدأ منذ أكثر من ٢٦ عاما- يجعل المحافظ الحالي في مرتبة غير مشرفة للمرة الثانية على التولي مقارنة بمحافظي العديد من البنوك المركزية في العالم العربي من مصر ولبنان وكويت وقطر والسعودية وفق نفس المعيار اعلاه، وهذا لا يقلل البتّة من كفاءة الكوادر العاملين في البنك المركزي التونسي والذين ليس لهم القرار في اختيارات السياسة النقدية والبرامج والاصلاحات الموجهة للنظام البنكي. فليس لهم ان يستنكروا هدا الترقيم ولا ان يتحملوا مسؤوليته. فعلينا ان نقبل التعبير عن مآل الاقتصاد الوطني دون ان يكون ذلك متجها للأشخاص او ان يفهم الاشخاص انهم معنيون لأنه عندما يكون واقع الاقتصاد غير مثالي فان الحلول والمقاربات والقراءات لنفس الواقع تختلف بالضرورة.
- ليس للمحافظ الحالي ان يعتبر ذلك فشلا، بل بالعكس هي فرصة يغتنمها لمراجعة خطيته في قيادة السياسة النقدية، بل كان من الاجدر ان يقوم بذلك منذ نشر تقرير موديس في الفترة الاخيرة والوقوف عند البيكرا (BICRA=Banking Industry Country Risk Assessment) التي تتواءم مع ترتيب (GF) للبحث عن طرق تحسين الاداء، ومراجعة الاولويات والانفتاح على التجارب المقارنة والادبيات العلمية الحديثة في "الصناعة البنكية".
- نعتقد انه من اوكد الامور كذلك ان يعلن المحافظ الحالي عن حيثيات برنامجه الاصلاحي الذي لم يتم نشره كما يبدو منذ ثلاثة اعوام اي منذ تعيينه.
- نعتقد ايضا ان حوارا وطنيا حول استراتيجيات اصلاح النظام البنكي وتحديثه بات امرا مهما كما دعونا الى ذلك منذ شهر ابريل الماضي.