أفرزت السنوات الأخيرة العديد من "المدوّنين" والمتدخلين في الشأن العام سواء في السياسة والاقتصاد أو القانون الدستوري وحقوق الانسان وغيرها من المسائل المتعلقة بالشأن العام بمختلف المستويات ومختلف الأهداف الفردية. ولئن كان الفيسبُوك أهم شبكة في تونس يتصل من خلالها الناسُ ببعضهم وتتلاقح بواسطته أفكارُهم، حيثُ أنّ الكثير منها باتَ مُلكًا عامَّا –لأنّه نادرًا ما تُذكَرُ المصادرُ، بقصد أو بغير قصد–، فإن الاتجاه العام مازال يتّصف بالتّأخّر. فيتمّ التعرّض أحيانا الى السياسة النقدية بعد أن يتّخذ البنك المركزي قراراته، والى قانون المالية بعد أن يصدّق عليه البرلمان، والى الظرف الاقتصادي الرّاهن بعد أن ينشر معهد الاحصاء البيانات الثلاثية، والى الحقوق الفردية بعد ان يُنشر تقرير الكوليب، والى كفاءة رئيس الحكومة بعد تعيينِه، والى مرتبة تونس في ترتيب دافوس للتنافسية العالمية او ترقيمها السيادي من مودز وفيتش بعد نشر التقارير... وكأنّها ردودُ أفعال لا تتعدى أحيانا التعبير عن أراء شخصية ذاتية البناء، فضلا عن أنّ العديد منها لا يتعدى الوصفَ وتسجيلَ المواقف باعتبار عدم أصليتها أو عدم إلمام صاحبها بالموضوع.
واعتقد أنّ غياب "التحاليل" و"المواقف" و"الإجراءات" الاستباقية عائق لدى أغلب النخب السياسية الموجودة في فلك السلطة التي تبدو تشتغل على الاجل القصير سواءً في هياكلها أو في السّلطة مثلما هو الامر في المسائل التالية:
– من البديهي أنّ الفقر بدأ يتصاعد والأملَ لدى الشباب بالمستقبل بدأ يتضاءل منذ الثلاث سنوات الأخيرة على الاقل، وبالرغم من ذلك لم تتخذ الحكومات المتعاقبة الإجراءات اللازمة ولم تقم الأحزاب الوطنية باي مجهود في هذا المنحى. علما انّ الديموقراطية لا تستدام مع الفقر والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتتالية
– من البديهي أن شعبية الأحزاب الوطنية في تضاؤل، وان هذا التضاؤل مردّه قله انجازاتها الاقتصادية والاجتماعية، وبالرغم من ذلك تبدو فاقدةً لاستراتيجية تواصلية لتخطي ذلك.
– من الواضح والجليّ أنّ تتّخذ من استراتيجيتها المسّ من مصداقية الأحزاب الوطنية وتبني خطابها على تضخيم فشلها في إدارة الانتقال، وبالرغم من ذلك تواصل هذه الاخيرة التناحر فيما بينها واضعاف بعضها البعض والحال أنّ المسألة لا تحتاج الاّ توحيدا للآراء والطاقات حمايةً للبلاد ولمستقبلِ هذه الأحزاب ذاتها.
– من البديهي أنّ جزءً من الاعلام منخرط في اجندة تسطيح الوعي وتزييفه بصناعة "صُنّاع رأي" نكرات، يحتوي خطابهم على جمل منطقية سطحية يتداولها سطحيو التفكير والذين يجدون صورة منهم في هذا الخطاب، يتهجّمون على كل النّخب ثقافيةً كانت أو سياسيةً وبالرّغم من ذلك تقبل النخب السياسية والمثقفة التواجد معهم في نفس البرامج الترويجية، فيستوي السياسي والمتسلّق، وصاحب الراي والجاهل، والنزيه والوصولي، وتبتذل الحياة السياسية في أعين المواطن العادي الذي بدا صبرُه ينفذ…
ما رأيكم لو كان في هياكل الأحزاب السياسية الوطنية مكاتب "يقظة استراتيجية" تستشرف المخاطر على الديموقراطية انطلاقا من المناورات التي تبدو بسيطة في الفضاء العام، وتقدّم توصيات عملية تفيد البلاد والعباد…