عيّنة من بعض التدخّلات في الفضاء العام التي تبدو منطقيّةً في ظاهرها ولكنّها تسرّب الأخطاء في الاقتصاد وتحول دون الارتقاء بالوعي لدى عموم الناس.
يقول “الخبير الاقتصادي" في احدى القنوات التلفازية (البارحة) إنّ “القانون 38 ماهوش دستوري"
طيّب.
وكان من المفروض أن تنتهي القصّة هنا، الاّ انّ "الخبير" واصل الكلام وتعسّف على (1) القانون الدستور وعلى علم المنطق و(2) علوم الاحصائيات التقديرية و(3) علم الاقتصاد". في حوالي 3 دقائق.
(1) التعسّف على القانون الدستوري وعلى علم المنطق:
يقول “باش نبعدو على “البلبلة” بعد 25 جويلية، انّجمو نطبّقو القانون 38". يعني، بعد أن أقرّ بعدم دستورية القانون 38، اعتبر أنّ "تجنّب البلبلة" مصدرًا تشريعيا أعلى من الدستور.
شخصيا، معلوماتي في "القانون الدستوري" لا تتعدّى المبادئ العامّة وأنواع الأنظمة السياسية ومصادر التشريع. حيث أنّ الترتيب في علويّة القوانين تبدأ من الاستفتاء، ثمّ الدستور، وبعد الاتفاقيات الدولية هناك القوانين، ثمّ المراسيم وفي الأخير هناك القرارات. لكن لم يرد أنّ "تجنّب البلبلة" في حدّ ذاتها تكون أعلى من الدستور حيث أنّ هذا "الخبير" لم يقل أيّهما أعلى "تجنّب البلبلة" أو "الاستفتاء" في التشريع. واتصوّر أنّ "هيرينغ" و"الصنهوري" المُعتبريْن قامتيّْن في القانون الدستوري قد ذكرا "تجنّب البلبلة" كمصدر من مصادر التشريع.
(2) التعسّف على علوم الاحصائيات التقديرية:
يقول "الخبير" إنّ: "أصحاب الشهايد المزوّرة اللي هوما في حدود 120 ألف، لازم يوقفوهم على العمل ويدخّلوا في عوضهم الشباب العاطل عن العمل اللي تتوفّر فيهم كلّ الشروط باش يشدّوا بلاصتهم، واللي عدد هاذوما تقريبا بين 1000 أو 2000!
يمكن اعتبار "علم الاحصائيات التقديرية" خاضعًا لمناهج رياضية (نماذج) تستعيد سلوك المتغيّرات وتوزيعها الزمني وارتباطها ببعضها البعض، انطلاقا من مشاهدة الواقع احصائيا، كُلّيا أو جزئيّا مع هامش الخطأ… لكن "الخبير" قال انّ عدد الشهادات المزوّرة 120 ألف بدون فرضيات ولا معلومات ثابتة ولا منهج احصائي. يعني، في العشر سنوات الأخيرة، هناك 12 ألف شهادة تمّ تزويرها سنويًّا وتمّ توظيف أصحابها. يعني في الشهر الواحد تمّ تزوير 1000 شهادة. وإذا كان هناك 610 ألف موظّف حاليا، يعني ذلك أنّ فيهم حوالي 20٪ منهم شهاداتهم مزوّرة. بلغة أخرى: على كل 5 موظّفين، هناك حاليا موظّف شهادته مزوّرة. يعني لو كان لكل 10 مزوّرٍين عونٌ وسيط في الادارة، وجب اضافة 12 الف اداري منخرط حاليًا في الفساد، ليصبح العدد الجملي 120+12=132 الف موظف اداري موّط في الفساد! وهذا يُعتبر خطرا إذا صحّ تتعطّل منه البرامج اللغوية العصبية (PNL). وأضاف قائلا: " اللي يحتاجوا باش يدخلوا يخدموا عددهم 1000 أو 2000: وهو رقم ليست له أي علاقة بالواقع. ذلك انّ حسب معهد الإحصاء ونموّ نسبة البطالة، لن يكون المتخرّجون من التعليم وهم الان في البطالة منذ 10 سنوات، أقلّ من 15!!!
(3) التعسّف على بعض أليات التحليل الاقتصادي:
قال "الخبير إنّ " يوسف الشاهد تعهّد باش يرجّع كتلة الأجور الى 12 ٪ في عام 2020. ولكن النسبة هاذي توه في حدود 18٪ من الناتج المحلي الإجمالي."
لكن،
- الصدمة القوية والبديهية التي تلقّاها الاقتصاد في أزمة الكورونا تداعت بخفض الناتج المحلّي الإجمالي بحوالي (-15٪) بالرّغم من توقّف الانتداب تقريبا في الوظيفة العمومية أو تمّ بصفة هامشية، ممّا أدّى الى ارتفاع نسبة كتلة الأجور مع التعهدات السابقة. ولكن كيف تمّ احتساب نسبة 18٪ لانّ الناتج المحلّي الإجمالي عام 2021 لا يعرفه أحدٌ الاّ بالتقديرات. يعني السيد يتحدّث عن تقديرات قائمة بدورها على تقديرات لا تخضع لعلم الاحصاء. والتقدير بالتقدير انما هو مراكمة الخطأ.
- لو فرضنا أنّ 120 الف أصحاب الشهادات المزوّرة تمّ ايقافهم على العمل (وهذه فرضيّة متطرّفة)، و2000 أصحاب الشهادات المعطّلين تمّ توظيفهم (وهذه حالة هامشيّة)، فانّ نسبة الأجور ستكون تقريبا 14.5٪ ويبقى المشكل قائمة الذات.أي أنّ "الخبير" يطرح حلاّ لا يخضع لا الى علم الإحصاء ولا للواقع التونسي ولا لما يتطلّبه منطق الأشياء وهو النموّ الاقتصادي والإصلاح المؤسسي والسياسات المالية والنقدية التي تضبط الدين العام والمالية العمومية حسب برنامج جدّي يمتدّ على الاجل المتوسّط حيث القطاع الخاص يقوم بأدوار متجدّدة…