عودة إلى التماس المتخصصين في علم النفس وفي الترويج الواسع النطاق ليفسروا لنا قدرة منظمي الحفلات الغنائية والراقصة على استعمال فكرة "المداخيل موجهة لفلسطين" وقدرتهم على تنظيم "صعود فتيات ونساء" تونسيات، لا لإهداء المغني باقة زهور، ولا لوحة تذكارية تقديرًا لرصيده الفني او الثقافي، إذا كان له ذلك، ولا حتى لأخذ صورة جماعية معه، بل ليحضُنّ راغب علامة بتلك الطريقة الحميمية جدا.
والأمر اللافت هو أنهنّ يصعدن على الركح بنظام بحيث لا تكون هناك زحمة بينهنّ، وأثناء رقص كل منهن لا تتجرأ امرأة أخرى للاتجاه نحو هذا المغني للقيام بنفس الشيء!
أريد ان اعرف دوافع ذلك ولماذا لا نرى هذا في حفلات اخرى بالعالم إلا نادرًا؟ وفي الحقيقة كانت هذا الفعل مذكورا عندما قطّعن ايدهنّ لمّا رأينه، اي سيدنا يوسف، ثمّ في أواخر الستينات عند ظهور نمط جديد من الموسيقى المقترنة بإيقاعات معينة وكلمات تابعة لها تُخاطب الوعي الجمي في سياق انتشار التيار الوجودي والثورة على القيم وعلى الثقافة السائدة، ويعود ذلك إلى تداعيات ما سُمّي في الادبيات "باهتزاز قاعدة التجارة" (Ébranlement de la base Marchande) في فترة ما بين الحربيْن، حيث وجد الفكر البنوي (Le Structuralisme) اطارا اجتماعيا مناسبا ليتطور..
والسؤال هو انه لا يبدو لهذه العوامل التاريخية اثرٌ في تونس. فالحال هو الحال كما هو، ولكن هذه التعابير ستظل محل تساؤلات وغرابة ما دام راغب علامة المناضل الفذ والمتعاطف مع القضايا العادلة في العالم والمتضامن مع الشعوب المنكوبة، يُرقص النكرات على قدم ونصف!