في كل المراحل الانتقالية، هناك استمرارٌ لبقايا من مكوّنات الحقبة السّابقة التي من المُفترض– إذا ما تمت قيادة الانتقال بنجاح، ألاّ تعرقل مسار الحقبة الوليدة باعتبار انتفاء عقلنتها وانتهاء الحاجة التاريخية لها.
وتتكوّن هذه البقايا، ضمن أمور اخرى، من مجموعة الاليات المتعلقة بها أصناف اجتماعية لم يساير وعيُها ضرورة الانتقال، أو لم تنخرط في عملية التغيير، أو غير مستعدة للتفريط في مواقعها ومصالحها السّابقة (التمتع الموروث عند إنجلز).
ومن حيث البنية الفكرية، تتكون هذه البقايا من أصحاب العقول المُغترَبة (ماركس)، والمُسْتَلَبة (هيجل)، وذات التبلّد الذهني (شومبيتر)ـ، الذين توقفت طريقةُ تفكيرهم في زمن ما قبل الانتقال. فيستهلكون المفردات المتداولة شعبيا والمتضمِّنة لمطالب مُستحدثة زمن الانتقال لكن بمرجعية ما قبل الانتقال فكريا وميدانيا، مثل "الديموقراطية" و"المواطنة" و"العدالة الاجتماعية"، "وحق التنظّم" و"حرية التعبير"، وغيرها.
فيتمّ ضرورةَ افراغُ هذه المفردات من مُحتوياتها وتُوظيفُها لمقتضيات مرجعية ما قبل الانتقال أي بالرّجوع الى الوراء، انطلاقا من استعمال أدوات المنطق الشكلي القائم على العلاقات السببية المباشرة المُقتصرة على سطحيات الامور لا جوهرها. ولا يتم ذلك الاّ من خلال نفي الحاضر وعرقلة مسيرته.
ولعلّ الواقع الحالي الذي افرز فراغا ناتجا من عدم قدرة النخب على الاستجابة لمتطلبات الانتقال – خاصّة الاقتصادية منها، قد فتح الباب على مصراعيْه لاستمرار هذه البقايا وتوسع نطاق أنشطتها.
ذلك أن مسار الانتقال الديمقراطي إنّما هو توليف من قوى جاذبة الى الوراء، ليس لها أن تخسر أكثر مما خسرته وأخرى الى الامام، لن تنجز شيئا الا إذا قامت بعملية نقد ذاتي.