إضافةً إلى عجز الجامعة التونسية عن تكوين علماء ذوي سيط عالمي، وإضافة إلى الانتحال في بعض المناظرات والامتحانات وكذلك الإخلال بالثقافة الجامعية "التي بجب ان تكون" (يحتاج الى تفصيل)، وانخراط جزء من هيئات التدريس في اجندات سياسية وأيديولوجية، نشهد اليوم حدثا آخر، لا يمكّننا من انتظار مساهمة علمية قيمة منه بقدر ما يدفعنا الى طرح أسئلة تتعلق بماهية البحث ودور العلم في البلاد ومستقبل الجامعة وكل مستويات التعليم.
- كيف يمكننا أن ندرس بشكل علمي علاقة البلد بالدين في كيان ليس له حدود جغرافية أو قانونية؟ (وهذا تعريف بدائي لكلمة دولة) إلا إذا كانت كيانا مجردا، مستخرجا من واقع لا يعترف به إلا خارج ساحة العلم (يحتاج إلى تفاصيل معرفية). فإذا كانت الدولة هي "القوة المركزة في المجتمع" التي تتمتع على الأقل بشرعية تاريخية، فكيف يمكن تنفيذ أطروحة كاملة و"المجتمع" المذكور ليس له كيان ثقافي أو تاريخي خاص به، فضلا عن أنه لا دين له إلا باعتراف السياسيين. ذلك انه غير موجود على الإطلاق بمعنى علم الاجتماع؟ ففي الكيان الصهيوني ليس هناك رئيس حكومة وحيد منذ عام 1948 مولود في فلسطين، إلا إذا كانت هذه الدولة قائمة في مجتمع لا تمثله، كما ان الناس الموجودين في فلسطين المحتلة لا تجمع بينهم اصول انتربولوجية (من افرقيا، وروسيا، واروبا الشرقية،..)، الا ان يُعلنوا عن يهوديتهم. فيستفيدوا من التوظيف والامن والسكن والسفر…
- كيف يمكننا الشروع في عمل علمي تكون مصطلحاته مثيرةً للجدل بشكل أساسي، دون تنسيبها في العنوان؟ ما هي المبررات النظرية و/أو التجريبية لمثل هذا الموضوع؟ ما منع صاحبة الاطروحة من استعمال كلمة "كيان صهيوني" وهو مصطلح مُستعملٌ ويمكن دعمُه علميًّا وهو اصح من كلمة إسرائيل عندنا يتعلق الأمر بالدين؟ أين تكمن الضرورة (بالمعنى الهيجلي) لهذا البحث، وجدوى وأهمية النتائج المتوقعة منه في هذه الفترة بالذات؟
- كيف كان من الممكن أن يؤدي هذا البحث إلى مساهمة علمية أصيلة أم أنه كان سيؤدي إلى استنتاج مفاده أن الدين هو أداة لتحقيق أهداف جيوسياسية واقتصادية في نهاية المطاف لأطراف سياسية عالمية؟
- وإذا كان الأمر كذلك، فما أهمية هذه النتيجة العلمية النهائية في تعميق وعي العقل بالواقع وهو الدور المنوط بالعلم في كل المجالات؟
- صحيح أن العلاقة بين السياسة (إذا كان هذا هو المقصود من كلمة "إسرائيل") والدين مجال بحث مهم، وقد ركز علماء الاجتماع السياسي والمؤرخون والادباء على هذا الموضوع، لكن في واقع الحال يبدو السؤال محسوما حتى من غير المختصين، الا اذا كان الامر متعلقا "بالديانة الإبراهيمية" لإعطائها عبثًا طابعاً علمياً.
- ككل عمل علمي، ما هو نوع التوصيات المنهجية والبحثية التي يمكن ان يستفيد منها المجتمع ومؤسساته من خلال هذه الاطروحة؟
- لماذا لم يتم تناول الموضوع في تونس مثلا، وهو سياق يثير اهتمام الباحثين، خاصة أن بداية البحث كانت حوالي عام 2019؟
- كيف قبل المشرف بالإشراف على هذا الموضوع؟ وكيف كانت المبررات العلمية للمُقرّريْن لفائدة هذه الاطروحة؟
- اليس العلمُ شهادة العين على العصر ؟ اليس انخراطًا في مسار السيطرة على الواقع في جوهره وإخضاعه لإرادة الإنسان؟ اليس هو انعتاق من هيمنة الايديولوجيا التي هي محتوى الاغتراب الاجتماعي؟
نفس التعليقات خارج السياق منذ عشرات السنين.
و قيّد على "الحريات الأكاديمية".
باعتبارك صحفيا، وقد لا تكون بالضرورة اكاديميا، من المهم ان تعلم :
(1) انه ليس هناك علمٌ "خارج المُجتمع" ولذلك كانت مناقشة الدكتوراه بحضور عموم الناس وهي من التقاليد التي ترجع إلى قرون، ولذلك أعلنت صاحبة الدكتوراه عن "دعوة عامة". قُم بكل الابحاث التي تريد، واكتشف ما تريد. لكن مسارك المعرفي يبقى ناقصا لو لم تفرض نتائجك في المجتمع وتتحمل تبعات ذلك. قد تكون مطّلعا على شيء من التاريخ، فانظر ماذا فُعل "بغاليلي" وأُخذ إلى المحاكم لمّا قال ان الارض غير مسطحة وانها تدور، او أوامر هتلر لعلماء البيولوجيا بان يبرهنوا ان جمجمة الآريين مختلفة عن غيرهم، او نهاية كارل ماركس في الفقر او العلماء في تاريخ حضارتنا الذين نالوا أشكال التعذيب والقتل من الملوك ومنهم بن رشد…واعلم كذلك ان هناك علمًا رسميا يخدم السلطة وعلما غير رسمي. وان الثاني هو الذي يدفع نحو الانعتاق من الايديولوجيا والازدهار وتحقيق الذات الانسانية وليس الاول.
(2) ان العلم يخدم بالضرورة القضايا العادلة لانّه الوسيلة المُثلى للوصول إلى الحقيقة وللانعتاق. إذْ القضايا غير العادلة، ولأنها غير عادلة فإنها تكون قائمةً على غير العلم.
(3) ان قصة التضييق على الحريات الأكاديمية ليست محل نقاش لأنها من البديهيات، ولكن في تونس هو شعارٌ يُرفعُ مناسبتيّا وعند الحاجة ولم يُرفع أبدا في تونس من قِبل الأكاديميين انفسهم.