- يدخل الى الصف في المدرسة او في الكلية، فيجد محتوى الدروس لا تتجاوز المعلومات التي قد يكون اطلع عليها في النت وهو غير مسؤول عن ذلك.
- يجلس يتابع الاخبار او الحوارات في التلفاز فيجد مسائل لا تعنيه وهو غير مسؤول عن ذلك.
- يستعد للعودة المدرسية فيُطلب منه مضمون ولادة وصور وتحويل بريدي فيضيع الوقت في الطوابير وفي يده هاتف جوال يربطه بالعالم وفيه من التطبيقات ما يكفي ان يقضي شؤونه عن بُعد دون الاتصال باي سباك فيه شخص لا تُرى فيه معالم الاحترام والمهنية… وهو غير مسؤول عن ذلك.
- وهو في طور اعداد الدكتوراه، يُقال له بضرورة "السلوك الحسن" تُجاه المشرف والاساتذة والانصياع الى "هزّاتهم ونفضاتهم" (البعض بالطبع) قد يكون احدهم يوما ما في لجنة من اللجان، فلا تناقشهم واذكرهم بخير حتى ولو كانوا مُخطئين واشركهم في المقالات التي تنشرها حتى وان لم تكن اهم مساهمة فيها او كانوا غير قادرين على النشر… وهو ليس مسؤولا عن ذلك.
- يشارك في العاب ومحطات نقاش بالانجليزية التي تعلمهما بمفرده ويعلم ان هذه اللغة دون سواها هي المُعتمدة في التواصل عالميا، ثم عليه ان يقتنع باهمية مادة الفرنسية التي لن تفتح له افاقا في مستقبله وكذلك اغلبية المواد الاخرى التي يراها تافهةً ومع ذلك يُطلب منه النجاح فيها… وهو غير مسؤول عن ذلك.
- يتابع اخبار النخب الفكرية - خاصة في المراهقة السياسية التي يمر بها البعض - فتتوالى خيباته سواءً من حالات الاحباط التي تسيطر على فكره جراء تساؤلات بديهية بدون اجابة، او من التهميش الذي لا يجد له مبررا… وهو غير مسؤول عن ذلك.
- في بداية وعيه باهمية العلاقات الاجتماعية، تكثر تساؤلاته حول علاقة والديه بالعائلة الموسعة ثم بنوع العلاقة بينهما التي يشوبها فتور (لا اعمم)، فينعزل عن الجميع او يُخرجهم من حياته كلهم جملةً وتفصيلا… وهو ليس مسؤولا عن ذلك.
قبل المدرسة، يقضي الطفل طيلة اليوم في "الكراش"، ثمّ يُؤخذ به في رحلة طويلة وشاقّة يتنقّل فيها بين النوادي تحت غطاء "الاكتفتي"، فتراه يتدرّب في الكانغفو، ثم في السباحة، وفي كرة القدم، والفن التشكيلي والموسيقى والكمبيوتر،…، فالدروس الخصوصية منذ السنوات الاولى من التعليم،…، بحيث يُدخل به في برنامج استبعاد عن البيت دون ان يصبح بطلا في الكاراتيه ولا في القفز بالزانة ولا يتعلم العزف على "الرّْبَابْ" ولا غيره من الالات، بحكم عدم اهمية النشاط في ذاته بقدر ما هو عملية "ترحيل قسري".
واما ما تبقى من اليوم -ان تبقى منه شيء- فهو يقضيه متصلا بلوحته او هاتفه، حتى وان لم يكن مطلبا ملحا من قِبله. فلا نقلٌ للثقافة عبر الاجيال ولا قدسية قيمة العائلة ولا تدرّب على العيش المشترك ولا بطيخ (ولا اعمم بالطبع). وهو غير مسؤول عن ذلك البته.
وفي مراحل التعليم الثلاث، يتدرّب في الغالب على مقاييس نجاح كمية اكثر منها نوعية، خاضعا لضغط المحيط العائلي بضرورة الحصول على اعلى علامة او اعلى ترتيب. بل يفهم ان اخطاءه مضخمة وابداعاته مهمشة. بحيث يصبح شبه آلة مُبرمجة على الكميات وتخضع الى سلّم قيمي كمي بما تتضمّنه من تبرير للغش او مجانبة الحقيقة او الانانية. او يتحوّل الى مشروع مواطن رافض "للكل" في اول فرصة يجد نفسه قادرا على اتخاذ. القرار دون اي عائق. فيخرج من الاطار المُغلق الذي كان فيه للدخول من الباب العريض في فضاء بدون حدود، غير معتدّ لا باللغة ولا بقدرات الادراك ولا بالمهارات واا لمرجعيات ثابتة (عقلانية/ غير عقلانية، او اخلاقية/غير اخلاقية، مشروعة/غير مشروعة،..) ولا هم يحزنون ولا اعمم، لكنه غير مسؤول عن ذلك.
كل هذا، كان مرتهنا في بعض الكلمات الصادقة التي يقولها له الولي وينقل له من خلالها المبادئ والقيم الانسانية دون ان يستهدف نقل شخصيته اليه، ولكن يتم من خلالها بناء ثقة بينهما… لكن يبدو في حالتنا ان فاقد الشيء لا يعطيه.
واتذكر في هذا الصدد انني في التسعينات، لاحظت ان الاغاني الوطنية لا يسمع بها الشباب الا بين الشوطين عندما يسجل المنتخب اهدافا في تصفيات كاس افريقيا او كاس العالم (صوفية صادق، نعمة، او صلاح مصباح)، وان باقي البرامج التلفازية كانت فيها وثائقيات على الدب الابيض في القطب الشمالي، او برامج اخرى فارغة المحتوى وهزيلة الرسائل، وما عدى ذلك بات "لبيب للبيئة حبيب" رمزا وطنيا احسست انه اخذ في الفضاء العالم وفي السياسات العامة مكانَةً مهمة ربما اكثر من امور اخرى اهم.
سالت الطلبة يوما، راجيا منهم الاجابة بكل صراحة عن السؤال التالي: "من منكم حدثه ابوه او حدّثته امه يوما طيلة حياته ولو لخمس دقائق عن حب الوطن، او عن شروط المواطنة، او حتى عن نشأة الكون". وكان ذلك في مدرج يتسع الى عشرات الطلبة. فكانت الاجابة سلبية.