وجدت في الفيسبوك -صُدفةً- مداخلة في احدى البلاتوهات ذات الحماس غير المبرّر، لشابّ يُدعى جراد، تضمّنت مراكمة الجهل والصفاقة والعنف وسوء الادب، أمام حضور خاطئ لعدم وجود متخصّص واحد في الاقتصاد، فضلا عن التخصّص في "الاقتصاد الكلّي والنقدي في البلدان الصغيرة الحجم والمفتوحة"،
يتحدّث عن السياسة النقديّة ويتّجه بالخطاب اللاّذع والشتيمة الى أعضاء مجلس ادارة البنك المركزي بما فيهم من مديرين عامّين، وممثلين عن الجهات الحكومية وجامعيين، ورأسًا الى المحافظ في شخصه، على الرفع في نسبة الفائدة، بدون علم ولا كتابٍ منير.
ومن مصائب هذا الزمن الرّديء أنّ المنشطة، التي يبدو أنّها لم تعدّ المادّة اللازمة لبرنامجها- ولا أعتقد أنّها مسألة وقت، بل مسألة عجز معرفي هيكلي- ردّت الفعل بأنّ ما قاله هذا الفتى "ليس تعبيرا الاّ عن رأيه الخاصّ" وتضيف بأنّ "للبنك المركزي أن يردّ" على هذه الهرطقة بالطبع!
وبدون أن أرفض الحوارات النقدية في المشاكل الاقتصادية التى ترفع في مستوى الخطاب وتثري طرق التعامل معها، ولا أريد أن أتّجه الى هذا الصبي التائه، بل الى الذين يتابعون الشأن الاقتصادي العام بنزاهة وباهتمام حيال الواقع التونسي الحالي، فإنّ الحديث عن هذه المسائل دقيق جدّا، ولا يمكن أن يُفتح المجالُ الى غير أهله.
فمن العوامل التي حطّت من الوعي الجمعي تجاه القضايا المشتركة أنّ أهم المصطلحات المعرفية تمّ استهلاكها في الفضاء العام من قِبل منتحلي الصفة أو غير المتخصّصين أو الذين باعوا ذممهم، مثل "جمهورية"، و"دستور"، و"تنمية" و"سيادة" و"ديموقراطية"، و"إصلاحات"، و"مؤسّسة"، و"حزب سياسي"، و"حرّية"، و"انتقال”. وهي مصطلحات تأليفيّة ومعقّدة يمكن أن ينحرف سوء استعمالها بفهم الواقع، قد تمّ تسطيحها وفقدت محتواها، فهزلت الأدوار وسامها كلُّ مفلس.