- العديد من وسائل الاعلام تبث نفس البرامج الحوارية، بنفس المتحدّثين، ذوي الايديولوجيات المعروفة، وبنفس المستوى السطحي في المحتوى وبالجرعة العالية من عدم الدقة وبث عدم اليقين.
- بناء "واقع على قاعدة فرضيات غير واقعية" لفتح المجال الى نكرات بصفة "خبير". وهذا ما يُسمى بالدغمائية، أي أخذ الفرضيات الاولية كحقائق كونية.
- ضغوط اجنبية خاصة من المحيط الاقليمي المتوسطي، والتهديد الضمني بسلاح الاقتصاد، الذي يمرّ بهشاشة هيكلية. فلا تحويلات اجنبية الا مشروطة، وفي الاثناء: "اذهبوا فابحثوا عن السواح من روسيا واوروبا الشرقية".
السؤال القديم المتجدد: هل سقطت البلاد حرفيا في فخّ الاستسلام الى "حالة عدم الاستقرار الدائم"، المؤسسي والسياسي والاقتصادي، ما دام امثال الاعلاميين الحاليين متصدّرين المشهد الاعلامي الذي "يصنع الرأي العام" ويشكّل وعي عموم الناس؟
اضافةً الى بعض المظاهر المرصودة والتي تُوحي لنا بإعادة توالد الواقع بنفس الطريقة منذ 14 جانفي، هناك كذلك مايلي،
- الاستراتيجيات الاتصالية المتمحورة أساسًا حول "تحويل وجهة الصراعات" وتغيير "حلبة الصراعات":
فعوض اعتبار الصراع الحقيقي بين "قلّة قليلة" من الاثرياء ضد "العدد المتكاثر من المتفقّرين"، يتمّ توجيهه عبر الاعلام وعبر الجزء الفاشل والمُستقيل من النخبة "المثقفة" واشباه الخبراء المتسلقين ومنتحلي الصفة، و "المختفين وراء صفتهم الوظيفية (مدير عام سابق، استاذ جامعي، خبير امني، ناشط في المجتمع المدني،..)، والاحزاب الصغرى والمُستحدثة الطامحة الى الاستحواذ على جزء من السوق السياسية… يتم اعادة وضع الصراع في حلبةٍ أُخرى، لا تُمكّن مُخرجاتُه من تحسين وضع الفقراء و تحصين وضع الطبقة المتوسطة من الانزلاق نحو الفقر، ولا تحقيق جزء من احلام الشباب فضلا عن استحالة اتخاذ الطريق المؤدية نحو الازدهار والمواطَنة الحقيقية.
إذ عمل هؤلاء جاهدين على ارساء حلبة صراع وهمية، لا عقلانية لها الاّ في عقول "المُغترَبين ايديولوجيا" أو أصحاب الحاجات الخصوصية الفكرية (ضحية نظام تعليم أثبت عُقمَه منذ عشرات السنين)، لا تخدم الاّ مصلحة المستفيدين القدامى من "الاستابليتشمنت": "يمين ضدّ يسار"، " و"حداثي ضد رجعي" وهو الموضع الخطأ.
وقد فاقت هذه المعوقات حدّ التحفظ الى التعبير الصريح على خطأ المُستهدَف، إذ الصراع اليومي ضد الخصم السياسي كهدف أسمى بات مُعبّرًا عنه في الفضاء العام وفي بعض منشورات "المنظرين" امام القبول التام من الناس جميعا.
ولقد كان انتصار نداء تونس - ذي المرجعية الفكرية الهجينة (انظر البرنامج الانتخابي للحزب في عام 2019)، نتيجةً لتحويل وجهة الصراع، مدعومًا بجُلّ الاعلام، والجزء الفاشل من اليسار (انظر المانيفستو المنشور من المؤتمر حول الارهاب الذي نظمته جامعة منوبة، برئاسة العميد الكردغلي انذاك، والمتهم مؤخرا بالتطبيع، حيث تجد -في هذا المانيفستو- حيادًا عن قضية الارهاب كظاهرة متعددة الابعاد واختزالها في "ضرورة البحث عن الجاني" وكانه تقرير استخباراتي)، وجزء هام من رجال الاعمال وبعض المرتزقة المنفردين. وقد نجح كل هؤلاء في تشكيل وعي سياسي مُخزٍ لدى العديد من المثقفين الذين لا نسمع لهم اليومَ صوتا حيال "القضايا العادلة" التي "ناضلوا من اجلها"، ولعل اهمّها:
(1) استقلالية البنك المركزي،
(2) العدالة في الميراث،
(3) حق العمل،
(4) حقوق الاقليات،
وليس ادل على ذلك من تفتت هذا الحزب بمجرّد عدم اسناد وضائف ومواقع ومزايا لكل "قياداته"، حيث بعضهم اليومَ قد غادر البلاد، او في السجن او في التحقيق، فضلا عن فشل حكومة الشاهد الفاضح في الملف الاقتصادي، على الاقل.