مصر تعود إلى طرابلس وتونس تعود بفضل رئيسها إلى عصر الحمام الزاجل. فيضيع بريدها إلى طرابلس في الطريق. وعندما ستغير تونس وسائلها في التواصل سيرمي أهل طرابلس سؤال القذافي في وجوهنا من أنتم؟ لن يشفع لنا إلا قليلا أن نجيب نحن كنا جيرانكم من الغرب وكنا أحبابا لكن عندنا قائد مشغول بنقطة أو فاصلة تائهة في الدستور.
صباح الخير يا طرابلس كل ثورة وأنت حرة وتعلوين إلى ذرى الأمجاد لكن (خوتك التوانسة) مشغولين عنك فلم يشاركوك الاحتفال. وأسوأ من غيابهم عن الحفل تركك وحدك في سوق بلا صديق. تأتي الأخبار من ليبيا عن إعادة الإعمار وفيها ضجيج يذكر بأصوات الكواسر على طريدة وقعت. سأكتب بغير لغة الغنيمة الباردة التي جعلت أمم الأرض تتداعي القصعة الليبية.
حق الجيرة التاريخية
في زمن صار قديما عندما نزلت الجوائح بليبيا ومنها جائحة الفاشية كانت تونس مهربا ورزقا حسنا لأهل طرابلس وعندما درت الأرض نفطها في ليبيا كان لتونس مهرب وزرق حسن هناك ورغم ما شاب السياسة من خلاف الأمزجة بين الرؤساء لم تنقطع الوشيجة بين الشعبين. وكان يكفي لتبين متانة العلاقة أن نحسب عدد السيارات الليبية في تونس لنعرف حجم التواصل.
في زمن قيس سعيد الخالي من السعادة والمفرط في قيس البحر بقصبة تخلفت تونس عن الحضور في ليبيا بعد أن وضعت الحرب أوزارها هناك. فلا هو يذهب وهو المستحوذ بقوة الدستور على العلاقات الخارجية ولا يسمح لغيره بالذهاب. حتى أنه منع رئيس البرلمان من إرسال التهاني البروتوكولية أما رئيس الحكومة فممنوع من الحكم.
العلاقة التاريخية القائمة منذ زمن طويل بين الشعبين (الشعب الواحد الذي فصل بينه الاحتلال الفاشي الإيطالي والعنصري الفرنسي) تتعرض الى اختبار يفوق قدرة الليبيين على الانتظار. فبلدهم تعرض إلى تخريب كبير ولديهم حاجة ملحة للخروج من دمار الحرب الأهلية وهي الحالة المناسبة لمد يد العون لهم في كل المجالات بدءًا من إصلاح عدادات الكهرباء إلى بناء محطات الطاقة ومن بيع قتة البقدونس إلى مد الطرقات السيارة وللتونسيين في كل هذه الأمور خبرة تراكمت عبر زمن طويل.
وهذا أوان الاستفادة من هذه الخبرات والإفادة بها. ولكن الرئيس رأى غير ذلك. لقد قطع الوشائج بين الشعبين وكان تدخله الوحيد محاولة إثارة النعرة القبلية بين الوجه المدني والوجه القبلي العشائري في ليبيا. وحتى لما أفسد الليبيون خطته وتجاوزوها رفض رؤية الحقيقة في وجهها العاري. أن ليبيا تملك كل مقومات الدولة المدنية ما بعد العشائر والقبائل لتبني تجربتها ضمن ديمقراطية حديثة. ولأن القبائل لم تحكم بمنطقها ما بعد الحرب فإنه يرفض التعامل مع غيرها. رغم أن العالم كله يسارع إلى القيادة المدنية المؤقتة ليبني معها سبل التعاون والفائدة. كانت لتونس أسبقية الجوار والأخوة والعشرة التاريخية وهي الآن مجرد ترابط خرائط صنعته الجيولوجيا في العصر الجوراسي. حيث يقيم الرئيس بعد. لقد فرط في حق الجوار.
حق الجوار لا يمنع من تدبير الرزق
دون منطق الغنيمة الذي يقود الجميع يمكن الحديث عن حقوق العمل والتعاون ضمن روابط الجيرة والتعاون هناك رصيد ثقافي مشترك يمكن البناء عليه فالمريض الليبي سلم نفسه للطبيب التونسي ووثق به وربة البيت الليبية تعرف مذاق المنتج الفلاحي التونسي على مائدتها والعامل التونسي يدخل بيت الليبي المحافظ دون إثارة غيرته. على هذا كان يمكن البناء.
المشاركة في إعادة الإعمار من هذه الزاوية مختلف عن مشاركة الصيني والتركي والإيطالي وحتى عن المصري لقد صدرت تقارير اقتصادية عن جهات اقتصادية مختصة قدرت الخسائر التونسية من فقدان سوق العمل والتبادل مع ليبيا. والجهات الاقتصادية التونسية في مقدمتها البنك المركزي تعرف ذلك لكنها مكبلة الأيدي فمفتاح الديبلوماسية السياسية والاقتصادية ليس بيدها. وهي تشاهد خسارتها الآن وفي السنوات القادمة أي عندما تقسم السوق بين المقبلين المسرعين إلى ليبيا بينما هي ماكثة تراقب وتعض أصابعها ندما على (الورطة الرئاسية).
وإنه لمن العجب العجاب أن نرى المصري الذي انحاز في الحرب الأهلية إلى شق دون آخر وعمق الجروح بين الإخوة وحرض واستعمل سلاحه في الخلاف الليبي ينحني للغنيمة ويعيد سفيره إلى طرابلس في احتفال مهيب بينما يبقى التونسي الذي حضن الليبيين الهاربين من الحرب وآواهم وستر خوفهم يقف بعيدا كأن الأمر لا يعنيه.
لقد بدد الرئيس رصيدنا الأخلاقي في ليبيا بناء على وهم أن ليبيا سيحكمها تيار ديني متعاون مع إسلاميين بما سيزيدهم قوة في تونس. وماذا لو أفرزت الانتخابات القادمة في ليبيا حكما غير إسلامي وهو احتمال كبير ألا يكون الوقت قد تأخر حينها كثيرا ففي العام 2021 وفي انتظار الانتخابات سيتم توزيع الغنيمة الليبية على من سارع إليها. لماذا لم يطرح النظام المصري المعادي للإسلاميين هذه المسألة على نفسه وهو العدو اللدود للإسلاميين وجاء يتعاون (ويغنم) بقطع النظر عن نتيجة الانتخابات القادمة وطبيعة النظام السياسي الذي ستفرزه وفكر الذين سيحكمون وأيديولوجياتهم. لنحاول فهم الأسباب.
سنعود إلى نقطة بداية سابقة فرنسا التي خسرت مواقعها في ليبيا وعوقبت بالطرد (كما تطرد الكلاب) جرت تونس إلى خسارات بالتبعية. إن صورة مغرب عربي متكامل ومتعاون هي كابوس فرنسي تطارده بكل وسائلها ونكوص تونس عن ليبيا أمر فرنسي مباشر مهما حاولنا العثور له على سند في مزاج الرئيس الحالي فالرجل الذي لا فكر له ولا مشروع يستند الآن إلى حماية فرنسية لموقعه المهزوز شعبيا ويقدم الخدمة تلو الأخرى للخطة الفرنسية الأبدية في تقسيم المغرب الكبير لكي يظل حديقة خلفية لفرنسا. من هنا أوتيت تونس دوما وهي تعاني بعد وآخر الخسارات قطع الصلة بخطة إعادة الإعمار في ليبيا.
احتمال نهوض اقتصادي تونسي عبر توظيف الخبرات والقدرات التونسية في سوق العمل الليبية يمكنه أن يخرج تونس من أزمتها الحالية ويرفد اقتصادها المتعثر بموارد نقدية كبيرة بما يجعل الثورة تستعيد مسارها وتقدم فوائد لشعب طال انتظاره واستفحلت أزماته.
نحن إذن نتحرك في الخطة الفرنسية وفي حدود ما يرسم لنا من دور مثل ما رسم لنا أن نحيي القبيلة على حساب الدولة ضمن خطة تخريب سياسي فشلت ولكن لم يفقد الفرنسي أمله في استعمالنا مخلب قط للتخريب كيف ولديه رجل يرفض أن يسمي الاحتلال باسمه ويصفه بالحماية أو الحلول.
هذا ثمن تقبيل كتف الرئيس الفرنسي ويجب أن ننتظر كلفة تلك القبلات الذليلة. عزاؤنا أن الجغرافيا لن تتغير وستظل ليبيا في مكانها حتى سقوط اليد الفرنسية في تونس. وفي يوم نراه قريبا ستعمر المائدة الليبية بغلال تونسية سقاها عرق تونسي مجاهد في سبيل حياة كريمة.