أرجو أن يتسع صدر الأصدقاء لتحمل هذا الاختلاف القابل للقراءة كمزايدة طهورية ثورجية مفارقة للحظة العمل النضالي البراغماتي... ما فهمته من تحرك اليوم ومما سبقه من تحضيرات أن الفكرة الغالبة هي تجميع أكثر ما يمكن من القوى السياسية والنقابية في مواجهة الانقلاب فإذا سقط الانقلاب نمر إلى ترتيب الأمور على قاعدة الديمقراطية (العائدة) وفي هذا السياق يجوز، بل يجب أن نفتح الأبواب لكل صوت أعلن معارضة الانقلاب وخاصة الحزيبات والشخصيات الاعتبارية التي ساندت الانقلاب ثم تراجعت لاحقا. في منطق ترتيب الأولويات يبدو هذا التمشي معقولا لجهة الاشتغال على العدد والنوع (وتفريغ المكان حول الانقلاب لعزله)..
هذا المعقول لا يبدو لي معقولا وهذا سبب (التنقريز) الذي اكتبه هنا.
لقد كان الانطلاق في معارضة الانقلاب مبني على نقد مرحلة ما قبل 25 فالأخطاء التي سبقته صنعته لكن توصيف هذه الأخطاء لم يكن واضحا ولا شجاعا حيث سيطر تحميل النهضة وحدها دون غيرها كل كوارث ما قبل الانقلاب وقد حصل ضمنيا ما يشبه التسليم بهذه الجريمة الفردية للنهضة بما يعنيه من تبرئة مطلقة لكل الفاعلين الذي شاركوا في أدارة مرحلة ما بين 17-14 إلى مرحلة -725-2021.. وهنا اختلفنا حتى في تحديد جرائم النهضة. لقد صنع إعلام المنظومة نهضة مجرمة(تستحق الإعدام) لكنه لا يشير إلى النقابة ولا إلى الإعلام نفسه ولا للجهات الخارجية التي ناصرت فريقا داخليا ضد آخر (في أدق التفاصيل).
عند هذا الإعلام لا يعتبر خضوع النهضة للنقابة خطأ ولا جريمة في حين أني أراها كذلك. النقابة التي مارست السياسة ووضعت البلد في أكثر من تحرك على شفير الاحتراب الأهلي بريئة طاهرة في حين أن من انسحب أمامها حفاظا على (الشقف) مجرم.
في نقد مرحلة 14-19 وهيمنة النداء (اختفى مفهوم التغول زمن الترويكا) ورسخ الأعلام أن قبول النهضة بشراكة سياسية جريمة ولا ندري كيف كان سيعتبر بقاءها في المعارضة .
باختصار لو عددت "جرائم النهضة" لما انتهيت. لكن جوهر فكرتي أننا نختلف في توصيف هذه الأخطاء. ولكني أجد أن معارضة الانقلاب وبهدف التجاوز النضالي سلمت بهذه الأخطاء وتبني عليها. وهذا ما يجعلها ترحب بعودة القوى المساندة للانقلاب إلى موقع المعارضة وتفتح لها الطريق فرحة مسرورة دون أن تطلب منها أي نقد ذاتي لأدوارها في تخريب مرحلة ما قبل 25. النهضة نفسها (ولا أفهم كيف تفكر وتقيم ) تسلم بذنبها وترغب في التجميع...منشغلة بالعدد لا بالنوع.
هنا أتوقف وانسحب ببساطة لأن هذا التجميع(الأخوي الطيب) يقوم بعميلة خطيرة ستخرب ما بعد 25 الذي لا أشك في قدومه. أي نقل الجرثوم السياسي القديم (وهو جرثوم استئصالي )إلى الجسم الذي يراد له السلامة لاحقا.(أنا ممن يعتبر السيد نجيب الشابي شخص استئصالي).
القوى المنتظرة وفي مقدمتها النقابة وحزيبات التيار والتكتل والجمهوري وبعض الأسماء التي لا وزن لها إلا في بلاتوهات إعلام العار والتزييف هي حزيبات غير ديمقراطية وهي قوى انقلابية في العمق. وهي تبحث عن مخرج من الزنقة التي دخلتها ووضعتها على حافة قبورها السياسية.
هي أحزاب ماتت ويراد لها أن تنبعث وتأخذ بايها في ما بعد الانقلاب ودليل موتها عندي هو قباحتها ووقاحتها وسقوطها الأخلاقي الذي تجلى في رفضها تقديم نقدها الذاتي لما قامت به قبل 25 وما تقوم به الآن إذ تريد أن (وتفاوض) على أن تأخذ الثلثين من الحسبة مقابل منح بركتها لتحرك ميداني بعمق نهضوي.(بمنطق يا نهضة هانا سامحناك شكر الله سعيك وبر شد دارك).أسماء مزيفة صنعها إعلام سفيه تقف موقف المؤدب على رأس التلميذ الغبي وتمنحه البركة(عشرة الحاكم).
النهضة في العمق الميداني والشبيبة المخلصة في مواطنون ضد الانقلاب قاموا بتهرئة الانقلاب منذ يوم 26 وكسر قاعدته وهذه الأحزاب والنقابة تهاجمها وتلعنها فلما بدأت الريح تميل ضد الانقلاب خرج هؤلاء يطلبون الثلثين أو أكثر بلا خجل ولا حشمة ولا نقد ذاتي.
والنهضة في الأثناء تعلن حبها من جانب واحد وهو موقف لا أفهمه ولست مستعدا لتحمل كلفته. واعتبره جريمة في ما بعد الانقلاب لأنه سيعيد إنتاج نفس السياسيات التي أدت إلى الانقلاب. كل ما يجري الآن هو تهيئة أجواء ما قبل 25 كأن لم يحدث انقلاب ولم يقع فرز ولا عرف كل أناس مشربهم.
هل هناك استعجال في إنهاء الوضع الاستثنائي؟ نعم هناك لهفة وهي لهفة نهضوية غير مفهومة عندي ولا أبحث عن فهمها عندهم، ولكني لست مستعدا للسير فيها. استشعر بحدس مدرب ...ما يلي ...(هيا نسقط الانقلاب ونغير القانون الانتخابي وننظم انتخابات سنعود إلى السلطة ونأخذ القسط الأكبر فشركاؤنا لا وجود لهم في الشارع). وماذا نفعل بمن جاء يشاركنا إسقاط الانقلاب؟
هناك خدعة غير ديمقراطية شراكة شيطانية يمكن أن تساعد على تحصيل مكاسب لكنها مكاسب ملغومة بروح غير ديمقراطية. ليس من أجل هذا خرجت فردا ضد الانقلاب لقد خرجت من أجل تصحيح فعل لقواعد العمل السياسي حيث لكل حجمه ولكل مسؤوليته بحسب حجمه. والحكم هو الصندوق ولو بعد حين. إعادة إنتاج الخديعة يلزم أصحابه.
الموقف الأخلاقي الأسلم دون مزايدة على أحد ودون تقديم دروس لأحد هو رفض خداع الناس ليبق الانقلاب بكل سوءاته، ولكن لن أتشرف ولن أقبل ولن أطيع (أذكّر أني فرد أعزل بلا وزن )حكومة يساهم يسار النقابة الفاجر في تشكيلها وأخذ خمس وزارات فيها لا يمنحها له الجمهور الناخب، ولكن تمنحها له النهضة التي أسقطت مورو فلم يمر إلى الدور الثاني طبقا لحساباتها الداخلية.
هل هذه مزادة ثورجية ؟ أبدا هي إعلان براءة من المساهمة في الغش السياسي القادم.