كانت قريبة حتى اني مطمئن الى بقائها في كل خطوة كنت اسال عن اخر مرة مررت من هنا ...تذكرت ايام القصبة الغراء .منذئذ ...كم بعدت وكم بعدت ..
..انهمرت الذكريات ...رغم الحواجز المضافة لسبب لا اعرفه ...فحتى وزارة الثقافة مسيجة كانما تخشى من انقلاب ثقافي ...روائح المدينة مخزونة في الذاكرة وروائح المدينة كما كتبها حسين الواد عن حبس النعجة قامت في ذاكرتي ...اشتد الوجيب امام باب المكتبة الوطنية المغلق ...هنا ...قرات ...هنا تعرفت ...هنا اختبرت لساني في الغزل ...هنا قرات الاغاني ...هنا ...كم كان الهنا مليئا بآمال ...عراض ..كان هنا مقهى الاندلس الذي صار فرعا بنكيا كان من هوايات الطلبة تعلم التدخين في مقهى الاندلس ... هنا مطعم راس الخروف المشوي ...نتقاسمه مع سياح فقراء اذا توفرت المنحة ...هنا مقروض تونس يضوع برائحة زيت ثقيلة لكن ثمنه ينسينا رائحة الزيت الثقيلة ...هنا دار الحاجة حيث سكنا وعشنا على السلاطة الخضراء ...التي يتقن عبدو تقطيعها …
هنا الخربة حيث عرفت طعم الزنجبيل ...هناك نهج الكومسيون حيث كنا نتزود بالورق الكبير لكتابة اللافتات …
هنا باعة الموالح حول السوق المركزية حين كنت نختطف حبات الزيتون للتذوق بما يكفي لاكل نصف خبزة ...ويبتسم البائع …
عودا الى السطح هنا مقهى قدور اين قدور خارج روايتي تفاصيل صغيرة فقد اخذ له منها مكانا فسيحا واخذ شايه مني مصروفا جزيلا ..هنا كان قدور يفرض علي ماء الزهر في القهوة ...لم ار قدور ولا زوجه ...يسعى بالززوة... الكراسي كانت فارغة امام المدرسة الباشية ...هنا جلست هنا تهجيت هنا تعلمت ...وهنا التفت الى الجدار ومسحت دمعة شوق الى امي ..فقد دفعت ثمن القهوة مضحيا بسماع صوتها في الهاتف ..
كم في الهنا من هناك الذي مر ...وكم من رائحة تشق الصدر بالحنين ... كم بعدت عن المدينة ...كم صرت غريبا ... كم ثقلت ركبتي في صعود الربوة من جديد ...ربوة كنت اقطعها خببا ...الى بيت فقير في الملاسين …
هنا باب غدر ...اجلس استرد انفاسي وامسح عرق جبيني بكم قميصي .. هنا ...اتوقف فقد رأيت خيمة اولاد الحامة تنزل من الشاحنة لترفع على الاكتاف فتنصف في باب قصر الحكومة واكتب مزهوا عن الثأر الرمزي …
هنا ظننت ان اولاد الدغباجي قد استعادوا حقهم في المدينة …
هنا انسحبت الى حفظ الحد الادنى ...الحد الذي تتيحه مدينة مغلقة على روائحها منذ بنت سورها لتحتمي من الافاقيين ...طبقة تجار الذهب لا تزال في حوانيتها ..
هنا تسقط الاحلام فلا يبقى الا الحد الادنى …