كانت ضحكتها أوسع من وجهها فكأن وجهها ضحكة لا غير. والأنف الصغير يكبر الضحكة وتينك الوجنتين الطفلتين وذؤابة شعر تلوح تحت المنديل المزهر. ولذلك وجدت فيها من أمي التي ملأت خيالي بوجه صبيح وإن اختلفت السحنتان وغاب الوشم البربري عن الوجه الحضري. تلك الضحكة لا يعمي دونها الا اسطبل. لم أرها إلا بعد الثورة كان وجهها يقتحم الكاميرا فكأنه بؤرة ضوء. لم يكن بنات الاتجاه الإسلامي يبتسمن في وجوه من ينكرن من الأغراب الذكور ولذلك كان تجهمهن يسبقهن إلينا نحن الصيادون في الشوارع الضيقة. فلما رأيتها بعد الثورة قلت هذه مختلفة. لم تكن مجرد ضحكة واسعة في وجه كانت موجة من الثقة في الذات يخفي أو يغطي شخصية قوية. وكانت جلسات البرلمان تثبت الصورة في خيال يظن الورد هدية الله للكتاب.
وجمعتنا صدف المؤتمرات والملتقيات وفوجئت بأن السيدة تسلم علي بالاسم ثم تجادلني فيما أكتب :
سيدتي هل تقرئين لي؟
أمان سي نور الدين أنا ساكنة في صفحتك.
ارتبك الصياد. شكرا لكرمك.
لكن روف علينا شوية راك ساعات تحرقنا
إني أكتب ما أظنه الصواب فكيف أظلم؟
تحرى العدل وعلمنا الصواب
حاشا لله …
وتضحك للحضور كأنها مكلفة بتعطير المكان. كانت موجة عطر تتحرك بسرعة كأنها فراشة رغم الوزن اللذيذ ولا تعبس فإذا جدت زرت بين حاجبيها وركزت بؤبؤ عينيها في المتكلم السامع فيجد نفسه في وضع الممتحن. لكنها توسع ابتسامتها فينفرج الفضاء.
في ساق آخر في عمر آخر في أماكن أخرى يمكن لصياد محترف أن يغني لها أكلك منين يا بطة لكن كان لتلك المرأة مغناطيس غريب إنها تحيل الذكر رجلا وتنقل يدها كهرباء الاحترام فيكون الحديث راقيا بالقوة وبالفعل.
في مراسلات كثيرة مسروقة من جدول أعمالها تنقل إلي معلومة داخلية لأكتب تحاول التأثير في التأويل فأرد بههههه البليدة تفهم أني لا اؤمر وأكتب ما أراه الصواب فتعاتب بعد النشر والقراءة أنت متحيز فأود خنقها بفولارتها. هؤلاء الحزبيون ضيقو الصدور. ثم تفاجؤني بشكوى حزبية من الداخل الحزبي المضطرب وتقول لم أفلح في رد ما جرى. أو منع ما قيل كأنها تبرر ما قد أكتب أو توحي بمعنى. وتمر بسرعة وتترك أحيانا معايدة أو تعزية أو تهنئة ولقد سمعت نشجيها على أمي في الهاتف ثم تغيب حتى أنسى وتظهر وتختفي فلا تقوم صداقة دائمة.
لم يكن بيننا حوار طويل يمكن نشره كنا نؤجل حوارا طويلا لن يكون أبدا بعد اليوم. كانت شوكتي واقفة دوما من الحزبيين والمتحزبين وذوي المناصب. وقد أكون ظلمتها بفرط الحذر.
غدر العمر كنا نظن نفسينا شبابا بعد وغفلنا عن الموت بلغت يقينها وانتظر. وأنا لا أسأل عن حكمة الموت وأسلم للقدر وأنا الآن أساعده على القيام بمهمته بتخريب جسدي وبي رغبة أن يكتب الخاتمة بسرعة ويفك علي من انتظار المعجزات.
ذات يوم نظرت في صور لها نشرها أخوة لها وضحكتها تخرج من الصور حتى توشك أن تفيض على حاسوبي. وقلت ماذا لو أن العالم كل العالم يضحك بنفس الطريقة ربما كنا أحببنا حياتنا أكثر وتوقفنا عن النواح والكبي السياسي. وفي بيتي ومع أهلي تساءلت كيف يستوعب مكان واحد وبيت واحد كل هذا الضوء.
كان وجهها أجمل ما في حزب النهضة كان وجهها أكبر من وجه حزبها فحزبها فيل ثقيل الظل والحركة أو سحاب شتائي ثقيل بلا غيث. ضحكتها أدخلت الحزب إلى بيوت كثيرة وتجهم أخواتها وإخوتها أجبرنا أحيانا على الاستغفار.
الضوء انطفأ …ونحاول رثاءه لا حزنا عليه بل حزنا علينا ولا يمكننا أن نفلت من المقارنة ولن نسمي فالسياق موجوع وأكباد الجمل مقرحة. ولا أحد يعيرنا أكبادا غير ذات قروح.
الضوء انطفأ والضحكة بقيت في التاريخ وبقينا بلا محرزية. الكرة ستدور غدا بدونها وستدور لاحقا دوننا تلك سنن سلمنا لها بالقوة. لكن بدا العالم كئيبا هذا اليوم وقرأت منشورات شامتة فقلت سأرثيها نكاية في من يفرح بالموت ويظن نفسه من الخالدين.
باقون بحزن أكثر وورد أقل فطيبي نفسا لقد مررت من حياة الكثيرين كما يمر عطر على عروس.