ازعم اني اتكلم من داخل المدرسة التونسية فانا حتى اللحظة اتعلم واعلم ..ولكني اعيش بشعور وكثير من قناعة عقلية ان المدرسة التونسية الاولى استنفذت اغراضها (مشكورة) ...وان مدرسة تونسية تحتاج وضع حجر اساس ...لمستقبل اخر . لا يتسع المنشور لوضع قائمة في علامات الفشل لكن ما نفعله الان بالتعليم ينتمي الى مرحلة انقضت …
يمكن الحديث بفخر عن ايمان الاسرة التونسية بالتعليم منذ زمن طويل فالبلد لم يخل عبر تاريخه من مدرسة ...ولم يخل تاريخه من متعلمين وعالمين ...سواء بالتعليم الديني قبل الاحتلال واثناءه او التعليم العصري (مع الاحتلال وبعده) وهناك عناصر فخر لمن يريد مداعبة غروره الوطني ..
الدولة الحديثة بنت مدرسة حديثة بمقاييس الاستقلال (والبناء الوطني) ادت مهمة عظيمة اذ لبت حاجة وطنية وشعبية (يمكن لمن يريد تقدس الزعيم ان ينسبها له ويمكن لم يريد ترضية الشعب ان يقول ساهم الشعب رغم الامية الغالبة في بناء المدرسة وانجاح التعليم وهذا تفصيل ثانوي) لقد كان التعليم مشروع شعب وقد نجح ...الى حين وصول السلم الاجتماعي الى اخر قدرته على التصعيد وانكسار المصعد او توقفه نتجة عوامل خارجية وداخلية…
الان نحن نواصل دفع المصعد فوق سطح العمارة حيث لا طوابق ...وانما الفضاء الفارغ ...وهنا وجب التوقف واعادة التأسيس .. يمكننا ولا بأس بشيء من الغرور ان نؤسس مدرسة تعليم للعالم وليس للوطن فقط ...(الامر يشبه ان ننتج فلاحة للتصدير وليس للاستهلاك المحلي فحسب) .
كل العالم يطلب متعلمين وخبراء (المجالات العلمية الدقيقة كما في المهن الاحترافية ) وهذا مغر وممكن وبقدراتنا الذاتية .
الترسيمة المعمول بها الان استوفت قدراتها هذه الافواج من المتخرجين بنصف معرفة تقنية وكثير من لغو قانوني وادبي لم تعد يحتاجها البلد ولا تحتاجها سوق تشغيلية عالمية مفتوحة لكل القدرات وكل الذكاء.
احدى عوائق المدرسة التونسية البنيوية الان وهنا هي اختيار اللغة الفرنسية كمفتاح تواصل مع العالم ...وهذه اللغة فقدت قدراتها على التصدير والتعاطي مع العالم ...لقد صارت لغة ثانوية ..ونحن ننفق في تعليمها مالا جما بلا نتيجة ولعل الجميع قد لاحظ نفور المتعلمين منها (عدد الاصفار في الباك وعدد المدارس الخاصة لتعليم الانجليزية)...لقد بادرت الاسرة التونسية للتخلص من هذا العائق والدولة (المدرسة الرسميية) لم تلاحق ولا تزال تصر على اعادة انتاج عوائقها …
في ظني ان التقديس الخرافي للرياضات قد تحول الى عائق ويكفي ان نقارن طريقة تكوين المهندسين بين نظامنا في معاهد تحضير المهندسين وطريقة الالمان مثلا لنعرف ان كم الرياضيات النظرية عائق يمكن الاستغناء عنه لصالح تعليم تطبيقي …
قبل ذلك (والنص عفوي/ خواطر ) اننا وقعنا تحت تأثير منهج اخوتنا الصفاقسية الذين امنوا اكثر من غيرهم بالتعليم فتسرب منهم الينا منهج الحشو حتى صرنا نؤمن او نعمل ان يولد لنا الطفل مهندسا وطبيبا منذ الرضاعة ...فنسي اولادنا اللعب ...وغلبت عليهم كأبة الخوف من الفشل ...واقول بشيء من المجاز ان مدرستنا تصنع شبابا حزينا ...يحركه الفشل لا النجاح ...(هذا سبب رئسي للغش في الامتحانات).
قبل الثورة كان الكثيرون يقولون بضرورة تثوير التعليم / المدرسة والدخول بها في عصر جديد ...وصار هذا الطلب بعد الثورة على لسان الجميع لكنه لا يزال حتى اللحظة يتردد في باب الاماني العاجزة او الشهوات المستحيلة .
وتجري الان في الكواليس ويا للعجب عملية اصلاح ...لا تشارك فيها الاسرة اي المجتمع، بل نخبة تغلق على نفسها المكاتب وتخطط بلا علم وما نسمعه عن اليد الفرنسية في العملية ينذر بإعادة انتاج العوائق البنيوة نفسها ..
تسرقنا من انفسنا مشاغل السياسة اليومية وزاد الانقلاب في تأجيل المشاريع الحقيقية وربما يعمل على الغائها، ولكن ان لم نطرح تجديد المدرسة كمشروع اول مؤسس للمستقبل بعقل جديد متحرر من تمجيد النجاحات القديمة والرضا بالموجود ..فنحن ندخل المستقبل اميين بلا مدرسة .
(طال المنشور ) يكفي لعل الفكرة تجدد الطلب بينكم على الانكباب على تصور مدرسة جديدة …