يرويها البعض ببنت محمود ولكن الأغلبية تصر على أنها بنت راشد وفي الروايتين اتفاق على باقي التفاصيل وأنا لم أدرك بنت راشد ولكني رأيت الحاج سعد في آخر أيامه يرود مسجد القرية وبيده عكاز غليظ وسبحة صفراء من خشب الصندل ذات رائحة عطرة .
كان الحاج سعد يحب التين كثيرا وكانت له شجرة تين عظيمة غرسها بعض أجداده في المفازة الواقعة بين الحامة وقبلي في أرض تسمى البحائر وبها أودية جافة تنحدر من جبال طباقة وتحمل ماء كثيرا على الحصباء يحب شجر التين أن ينمو فيها ويطرح ثمرا كثيرا وله طعم مسروق من الجنة .
كانت شجرة تين وارفة ظليلة يسترزق من ثمرها البشر والطير ويقيل تحتها الرعاة ولا يتورع ابن آوى عما سقط منها وكان مر بها زمن آوى إليها فيه غلامان من القرية سولت لهما نفساهما أن يلتحقا بالمقاومة اليوسفية للوطنية البورقيبية ذات الروح الحداثية الفرنسية فأدركتهما ميليشيات الزعيم وقتلهما في رأس التينة وهما يصرخان بالغوت اذ لم يكن معهما من السلاح إلا ضراط الشباب.
وهجر الناس التينة زمنا خوفا من الغولة ففي ظن أهل القرية أن روح من مات غيلة تظل تقوم في الليل غولة تطلب الانتقام وتزوم (والزومان صوت يشبه خوار البقر المذبوح فيقال تزوم البقرة إذا ذبحت وصدر منها صوت لا هو بخوار الحي ولا بحشرجة الميت) لكن الحاج سعد ظل يحب تينها ولم ينسه من زمن صباه.
وكان زمنئذ قد عاد من الحج متسلحا بإيمان قوي جدا ضد الغولة فقرر أن يسري إليها رفقة بنت راشد فيتسحر من تينها في منطقة الخيط الأسود وقبل أن يمنعه الخيط الأبيض من وجبة تين ثم يبش الأرض تحت أرضها ويعود ..
كان الحاج سعد من ذوي الموازين وكان إذا ركب الحمارة وضع بطنه أمامه ووضع إليته خلفه حتى يسمح طحير الدابة والطحير صوت من يحمل ثقلا فينوء به ولذلك كانت زوجة الحاج سعد تسير خلف الدابة ولا تركب وتلاحق ممسكة بالذيل وتدعو أن لا تضرط عليها الحمارة.
وكانت ليلة ليلاء أدرك فيها الحاج سعد التينة قبل السحور فلما أشرف على الوادي وكان القمر بدرا لكن التينة كانت كثيفة كأنها قطعة ليل سمع زومة مرعبة.من بين الأغصان فأدرك أن قد سبقته الغولة ولم يحمه الحج من الرعب .
فأدار شكيمة الدابة موليا لكنه سقط وألسنة السوء التي تلحن في الرواية تقول أنه ضرط لكن بنت راشد لم تشهد بالحق فلها مآرب بغير حق فرفعته فوق الدابة وضربتها على كفلها فأسرعت به عائدة وهو ينادي سوقي بي يا بنت راشد ويستغيت بالنبي يا الي شبكتك خلصني .يا محمد يا الي شبكتك خلصني…
يروي الراعي الذي سقط من بين أغصان التينة لفرط الضحك انه ظل يسمعه حتى غيبه الليل وفاته السحور ويقال أن عبد الحليم حافظ غناها بلحن بليغ حمدي رمانا الهوى ونعسنا والي شبكنا يلخصنا
وفي رواية متأخرة بخلفية فاسدة تعلمها الراوي في الفايس بوك أن على من رام التين الحلو في رمضان أن لا يخاف من الغولة يكفي أن يعرف أن الغولة ومحمد بن دحلان أل زايد هما زومة كاذبة. وأن بنت راشد لا تنجي من الحق.
رحم الله الحاج سعد لقد كانت له بطن كبيرة نمت وربت واستدارت قبل الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. وقبل التضحية بالشيخ عبد الفتاح خوفا من بن زايد وطمعا في التين اللذيذ من كرمة الحاج سعد تضعه بنت راشد على طاولة الواقعية السياسية.