منذ 1974.. زمن صدور كتابه الشخصية العربية والمصير العربي.. العنوان الذي اختزل مشروع جعيط الوجودي.. سؤال المصير العربي باعتباره سؤالا فلسفيا تاريخيا كليّا.. يخص العرب والعالم.. منذ ذلك الزمن.. وحتى قبله (الكتاب ثمرة مرحلة الستينات الكثيفة عربيا وعالميا).. نوّع جعيط مداخل التفكير في "طريقة وجودنا في التاريخ".. نحن كعرب و/أو مسلمين وبشر متنازَعي الهوية في أبعادها الزمنية جميعا : ماضيا وحاضرا ومستقبلا.. هوية أيّا ما يقال فيها.. تحملنا ونحملها رغما عن أنفها وأنوفنا.
جعيط عاش داخل ثقافة العالم بروحه وعقله الخاص. يسّرت له الحياة فرصة عيش المعرفة كاهتمام أكاديمي مدرسي وكرحلة وجودية عادت به إلى "قصة الجذور المؤسسة" لمجتمعه. فانتقل بخياله العقلي الجبار إلى معايشة لصيقة ودقيقة لتفاصيل نشأة حضارة عربية قلبُها/نواتها/محورها دعوة دينية قادها النبي محمد العربي. دعوة فجرت طاقة تاريخية استثنائية عند الشعوب التي حملتها زمن البدايات.. وأعادت تشكيل شخصية شعوب كثيرة في كل جهات الأرض.. حتى صار لها تاريخ كبير انغمس فيه جعيط كمؤرّخ بكل طاقاته العلمية المعرفية.. والوجدانية الحدسية.
وهنا فرادة لحظة جعيط وضرورتها لحياتنا ولمصيرنا الذي كان وراء انشغاله المعرفي. جعيط صنع أدوات العقلية الخاصة بعد أن صقل أدواته الأكاديمية الصارم. صهر في منهجه المعارف الإنسانية والفلسفية بطريقة فذة ليعيش شغفه المعرفي/الوجودي الخاص كإنسان يقيم جسدا ووجدانا وخيالا في اللحظة العربية الإسلامية من تاريخ العالم.. كل العالم.
فرادة جعيط أنه يقف في منطقة متقدمة جدا من التفكير قياسا إلى مجتمع الأكاديميا.. فما بالك بالوعي العام. لذلك ظل تفكيره معلّقا في انتظار شيء ما...!!!
لم يتسرب منهجه إلى الدرس الأكاديمي التونسي فما بالك أن تتسرب أصداء مطرقته العقلية الذكية إلى بنية ثقافة المجتمع العاطل عن الحياة.
جعيط فريد لأنه جعل من الدين التاريخي موضوعا علميا تاريخيا.. وكتابه الفتنة الكبرى كان قطيعة معرفية حقيقية في تعاملنا مع تاريخنا المتلبس بقداسة متوهّمة.. ولكنه في نفس الوقت يؤمن بالطاقة الوجدانية الفعّالة للتاريخ.
لذلك لم تستوعبه الايديولوجيات التي خرّبت وعي النخب السياسية والفكرية العربية وعقول أجيال من الشباب العربي. جعيط خاض معركة التحديث العقلاني بممارسة المعرفة العاشقة لنفسها والشقية بهذا العشق.
جعيط شرع قبل مرضه في كتاب/حوصلة حول مصير الحداثة الإنسانية بعد أن دخلت البشرية زمن العولمة المعلوماتية الكاملة.
بدأ بسؤال المصير العربي وانتهى إلى سؤال المصير البشري. وسؤالي الحالي تونسيا وعربيا :
هل سيصير جعيط يوما ما جزءا من وعينا الجمعي؟ رغم ثقتي في خلفيات تفاؤل جعيط بالثورات العربية الأخيرة مستحيل، تقديري أن هذا شبه مستحيل.
كنت نسمع في عبد المجيد الشرفي يؤبّن جعيط…
خلاصة كلمته : أنا.. ايه ايه أنا الشرفي وما أدراك.. كنت زميلك وصديقك وعميدك.. يعني عرفك كان ما في بالكش.. وأنا زادة جيت اليوم بش نقول للناس المضروبة فيك اللي أنت خذيت الدكتوراه موخّر برشا.. يعني شعرة برك لا ما خذيتهاش.. في حين أنا الشرفي وما أدراك خذيتها مالضربة الأولى وفتحت الأندلس مالضربة قبل الأولى…
جيت بش نقوللكم يا توانسة يا اللي عداها عليكم جعيط اللي السيد كان "مهادنا" لحزب كلى على قلبي وشرب.. أما راهو ملداخل ملداخل يكرهو في الدم غير ما يحبش يقول…
نسيت بش نقوللكم.. أخطاء النطق والشكل والتمتمة ماهيش مشكل حتى طرف.. اش كان عليه بروفيسور كمل الدكتوراهات الكل وما يعرفش ينطق العربية نطق سليم.. الفايدة تعرفوا جعيط على حقيقتو.. وفايدة الفوائد أنا خير منو…
يا عبد المجيد الشرفي.. يكب والله سعدك.