هناك إجماع على أن البلاد منهارة على جميع الأصعدة. حتى السلطة تقر بوجود أزمة وتقول أنها مفتعلة من خصوم الداخل وأعداء الخارج. هناك ارتفاع جنوني للأسعار وندرة مواد غذائية أساسية وإفلاس شبه معلن للدولة وغموض في أفق العملية السياسية فلا أحد يعرف هل ستجري انتخابات رئاسية مع نهاية العهدة الحالية بعد سنة وبأي قانون انتخابي؟
* هل يمكن أن يستمر الوضع الحالي؟
طبعا لا. أولا لأن التغيّر حتمية زمنية طبيعية تسري على كل الموجودات. ولأن الحتمية الطبيعية كالموت والولادة والمرض مستقلة عن إرادات البشر فهي لا تهمنا هنا.
ثانيا، والمهم، هو أن النظام الحالي يثبت يوميا أنه لا يمتلك حلولا لأزمات المعيشة المتفجرة والمرشحة للتفاقم. ومن الواضح أن شرعيته السياسية غير مستقرة ولم تترسخ بما يكفي.. فهو لا يحظى باعتراف كافٍ لا داخليا ولا خارجيا. أي أنه قد يجد نفسه في لحظة ما في مواجهة غضب أو فوضى غير قابلين للضبط.. ومتروكا من الجميع لمصيره.
* السؤال الطبيعي والإشكالي هنا: ما هي القوى الداخلية والخارجية التي وفرت للنظام الدعم السياسي خلال السنتين الأخيرتين؟ ولماذا قد يتخلون عنه؟
باختصار تقديري أن القرار الانقلابي في مختلف مراحله في يد "جزء" من الدولة العميقة.. أي اللوبي الأقوى قي شبكة مصالح متضاربة أحيانا لكن متقاطعة في الأغلب، والأهم أنها لا يمكن أن تخطو أي خطوة من دون ضوء أخضر أجنبي. المشكل أن القرار الأجنبي في تونس والمنطقة صار متعددا ومتنافسا وتشقه صراعات شبه معلنة.. لا فقط بين الاستعمار الفرنسي التقليدي والقوى الاستعمارية الجديدة المتدخلة في إفريقيا وأساسا روسيا والصين، بل داخل المعسكر الغربي نفسه، أي بين فرنسا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة.. مع حضور ثابت للقوى الإقليمية المعروفة (الخليج والصهاينة والجوار).
ما يجمع كل هذه القوى أنها لا مصلحة لها في نظام ديمقراطي بديل عن النظام الحالي. بل أن نظاما رئاسويا فرديا تسلطيا كهذا يناسبها جدا.
* لكن هل يناسبها نظام فردي بسعيّد أم بغيره؟
تقديري أن الشعبوية الغوغائية الحالية أثبتت فعالية كبرى في بلد كتونس تغلب عليه الأمية بكل معانيها. لذلك سيستمر رهان لوبيات الداخل وقوى الخارج على سعيّد شخصيا.
ولأن الغرب عموما لا يعتبر تونس أولوية استراتيجية، سمح لإيطاليا بتحركات كثيفة عبثية في تونس.. ويسمح للوبيات الداخل بمناورات محدودة من نوع التلويح بتكوين جبهات سياسية لخوض انتخابات 24 الرئاسية غير الأكيدة.. وتطميع بعض السياسيين بترشيحات محتملة لهذا الموعد.
الاتجاه العام الذي يحكم الموقف الغربي بكل تناقضاته يميل إلى تأجيل الحسم في الحالة التونسية والاكتفاء بمراقبة الأوضاع والمحافظة عليها في نقطة "اللاسياسة".
* هل الانفجار الاجتماعي حتمي؟ وهل يمثل رهانا ممكنا لإنهاء حالة الانغلاق الحالي؟
لا أظن. قد يجوع التوانسة ويتوسع الفقر والغضب فيتعمّق يأسهم الحالي من كل شيء.. ولكنهم سينكفئون على مأساتهم. خصوصا إذا اقترن اليأس بأمرين: تواصل تشرذم المعارضة، وتمأسس القمع. نعم في ظل
الفراغ السياسي الشامل قد يتمأسس القمع خاصة إذا توصلت اللوبيات الاقتصادية فيما بينها إلى تفاهمات.. وهو الأقرب.
* هل يوجد من داخل الانقلاب بتوازناته الحالية الهشة من هو مستعد لكسر هذا التوازن الهش لصالحه؟
مستحيل. لأن لا شيء يغري أحدا باختطاف سفينة تغرق.
وتبا.