ببساطة شديدة.. مصير البلاد الآن.. أي مصير الانقلاب أيسقط أم يستقرّ ويتحول إلى دكتاتورية عمياء.. ومصير الديمقراطية أتعود وتنصلح وتستقرّ أم تضمحل نهائيا بمعناها الليبرالي وتحل مكانها ديمقراطية حشدية شعبوية... بيد الاتحاد العام التونسي للشغل.
ليس بيد "شعب" رثّ كفر في عمومه بالسياسة وصارت الديمقراطية عنده مرادفا للشرّ المطلق.. وتم تخريب وعيه نهائيا بشعارات مسمومة من قبيل "السياسيّين الكل كيف كيف" "كلّهم يجروا عالكرسي".. ولم يعد يفكر مجرد التفكير في الاحتجاج بعد أن تم إغراقه في جري يومي وراء الخبز والسميد والفارينة.
ولا بيد النهضة أكيد.. رغم أنها الحزب الذي يقود عبر رئيسه ونوابه "مقاومة/مناورة برلمانية" قانونية ديبلوماسية للانقلاب. ولكنها تظل مناورات هشة بلا زخم شعبي مؤثر وبلا دعم ديبلوماسي/حقوقي خارجي حقيقي (لا تركي لا قطري لا أمريكي كما يتوهم كثير من أنصارها وخصومها).
الخارج (والمقصود بوضوح أمريكا وفرنسا) مستعد لعقد صفقة مع الانقلاب، ودوس الديمقراطية ،والأحزاب، والنهضة.
يتوقف قراره هذا على وجود حكومة قوية تمضي على اتفاق نهائي مع البنك الدولي وتضمن تطبيقه.. وهو أمر لا تستطيعه أية حكومة من دون ضمان موافقة اتحاد الشغل الذي يمسك بأمعاء كل القطاعات الاقتصادية الحساسة وهو الوحيد الذي يستطيع تحريك أو تعطيل "طبقة العمال" وكل ما يرتبط بها موضوعيا من عالم العمل حتى من القطاعات الحرة وغير المنظمة.
من هنا "جوهرية" موقف الاتحاد ومصيريته:
الاتحاد الآن في مأزق وجودي بالمعنى الحرفي. ساندت قيادته الانقلاب تحت ضغط خيارات حزبية مهيمنة على مكتبه التنفيذي. ولكن تلك القيادة تدرك أن إقدامها على المشاركة في اتفاق مع البنك الدولي يقضي برفع الدعم عن المواد الأساسية وبيع المؤسسات العمومية وتجميد الأجور والانتدابات لمدة أربع سنوات.. هو إعلان وفاة المنظمة النقابية.
شخصيا أدرك تماما أن القيادة الحالية للإتحاد المؤدلجة بشكل مخزٍ لن تتردد في الدخول في لعبة سياسية قذرة بعد أن ألقى إليها الانقلاب جزرة المشاركة في "الحوار الوطني" من موقع "قيادي" إلى حد أنه نظّم من أجلها استقبالا استعراضيا لكامل مكتبها التنفيذي في القصر.. بعد طول احتقار.
الآن سيبحث الطرفان عن صيغة ذكية تضمن صمت الاتحاد عن صفقة الحكومة مع البنك الدولي.
من الأكيد أن الأمر سيكون صعبا. لأن الهياكل الوسطى الجهوية والمحلية مستحيل أن تُجمع على صفقة تفريط مخزية في حقوق قاعدة عمالية مجتمعية واسعة تنحدر يوميا إلى الفقر المدقع…
والأرجح أن "الروح المجتمعية" للاتحاد ستنتفض في لحظة حرجة ما.. وستكون، إن كانت طبعا، "حدثا سياسيا كاملا".