الرئيس أمام أمنيين المفروض أنه المسؤول عن إبقائهم فوق التجاذب السياسي.. يلقي خطابا سياسيا خطيرا وواضحا في استهدافه لكل السياسيين.
يقول أن موجات الهجرة السرية الأخيرة يتم تنظيمها لأسباب سياسية. وبعد مقدمة حول أسباب الهجرة واختلال التقسيم العالمي للثروة بين الشمال والجنوب، يقول أن هناك من يشجع على الحرقة للقول بأن الانتخابات الأخيرة، والرئاسية تحديدا، لم تؤد إلى تحقيق أهداف الشعب التونسي. ويتهم"هم"، السياسيين، بأنهم لم يتركوا لنا المجال للعمل رغم وجود مشاريع ظلت عالقة لأسباب سياسية.
ثم ينطق أخطر جملة قيلت منذ الانتخابات: " منذ 15 نوفمبر لا زلنا (نون الجماعة لا تشمله حسب السياق) في مشاورات لتشكيل حكومة". واضح أنه يحمّل كل الطبقة السياسية مسؤولية هروب الشباب، إما بتنظيم عمليات الحرقة أو بتعطيل مشاريعه التي لو طبقت لكف الشباب عن التفكير في أوروبا. قال أنه رغم فشل السياسيين لم يتوقف عن العمل في صمت وذكّر بالمدينة الصحية بالقيروان والقطار السريع من بنزرت إلى بنڤردان (أول مرة أسمع به) فضلا عن منصّة سيدي بوزيد (من له علم بطبيعة المنصة؟ أنا أعرف منصات محطة كيب كانافيرال الجوية في فلوريدا أو منصات الصواريخ فقط..). ليخلص إلى أن هناك من يريد إفشال التجربة التونسية. من هم ولماذا؟ كالعادة الجواب مضمّن في هجومه على كل السياسيين.
ثم يعود إلى التأكيد على أن الأزمة مختلقة من حيتان البرّ، وهم أخطر من حيتان البحر. يخلقون الأزمة لإدارتها. البؤس السياسي يتاجر ببؤس الفقراء. ورغم أنه يبدي تفهما وتعاطفا مع المضطرين للحرقة، يأبى إلا أن يتذكر شعارا سياسيا رفع من بعض المهاجرين ضده ( لم ينس صرخة مواطن وحيد في وجهه يدعوه إلى الالتفات إلى شباب الكامور خلال زيارته إلى فرنسا).
ثم يقفز إلى الحديث عن محاولات يائسة وبائسة لاختراق أجهزة الدولة. متوعدا أن الدولة واحدة، وأن لها رئيس واحد لا رؤساء (واضح أنه لم يغفر للغنوشي تصرفه بصفة "رئيس" ولو لمجلس النواب.. مرة أخرى مكالمة الغنوشي للسراج كانت خطيئة لا خطأ، وزيارته إلى تركيا واستقباله من أردوغان بصفتيه الحزبية والرسمية معا..).. ليستطرد أنه يعلم أهداف هؤلاء، وأنه يثق في قدرة رجال أبطال على الوقوف في وجه المؤامرات.
ويختم كلمته بنداء موارب إلى الشعب الذي صار واعيا ومطلعا ليحبط بنفسه هذه المؤامرات.
الرئيس حسم أمره ويدعو الشعب إلى الاستعداد لطرد كل السياسيين من المشهد ليتولى هو قيادة مشاريع التنمية ومراجعة التقسيم العالمي للعمل والثروة. كيف؟ لا أظن الجواب يتأخر كثيرا.