هناك إجماع على أننا وصلنا إلى مأزق.. طبعا كل فصيل من "فصايل" السياسة يحمّل المسؤولية إلى خصم أو أكثر.
1_ جماعة النهضة يحمّلون الرئيس مسؤولية تعطيل عمل الحكومة برفض تمرير التحوير الوزاري وعدم إمضاء قانون المحكمة الدستورية والعمل على تغيير النظام السياسي... ويحمّلون مسؤولية تعطيل البرلمان أساسا لعبير التي لا توقف تقريبا أشغال البرلمان... وفي درجة ثانية أو مماثلة للكتلة الديمقراطية التي تريد إزاحة الغنوشي عن رئاسة البرلمان بعد أن أخرجها من الحكم بإسقاط حكومة الفخفاخ…
النهضة تدرك أن سعيد وعبير والتيار والشعب يلتقون في الدعوة إلى إسقاط منظومة الحكم الحالية.. أي البرلمان والحكومة.. مع استثناء الرئاسة طبعا لأنها هي التي ستشرف على المرحلة الانتقالية القادمة.
وتدرك أيضا أن خلاصها الفردي يمر عبر خطوتين : أولا تفكيك هذه الجبهة المعادية لها.. وقد حاولت بطرق كثيرة ترتيب حوار مع الرئيس للاتفاق معه على حل وسط وفشلت.
ثانيا المحافظة على تحالفها البرلماني الحالي الداعم للمشيشي مع قلب والكرامة والناصفي.. تحالف يؤمّن بقاء الغنوشي رئيسا للبرلمان. مقابل خدمة ملفات نبيل القروي القضائية بكل الوسائل التي يتقنها القضاء التونسي الفاسد هيكليا.. ومقابل الصمت المتواطئ عن تحكم لوبيات المال والفساد في حكومة المشيشي الضعيفة.
لذلك.. بقاء النهضة في الحكم هو استمرار لشروط حكم لوبيات الجريمة.. لأن هذه اللوبيات تبتز المشيشي والقروي.. وهذان الأخيران يبتزان الغنوشي.. والغنوشي يبتز مؤسسات حركته بأن ذهابه هو كشخص يعني ذهابهم جميعا.
2_ عبير من مصلحتها استمرار هذا الانسداد... لتتكثف وتتوضح جملتها الشعبوية شديدة البساطة وشديدة الفعالية : أنظروا ماذا فعلت لكم الثورة؟... هيا انتخبوني لنُعيد نظام بن علي الفردي القمعي الذي سيحاسب هؤلاء على فشلهم.. ونفرح جميعا... لذلك هي لا تدعو إلى إسقاط المنظومة الآن.. كما يدعو سعيد وحزامه.. هي تريد انتخابات بعد مزيد من التعفين.
3_ التيار والشعب منقسمان في داخلهما حول طريقة إسقاط المنظومة... فيهم من "بايع" سعيّد على "اللي يراه صالح"... المهم يحلّ البرلمان ويطيح بالنهضة وحزامها... حتى إن لم يعلن عن انتخابات جديدة واكتفى بتوظيف بعض رموزهم في إدارة الانتقال الانقلابي. وفيهم من يرفض هذا الخيار ويطالب ببعض الضمانات.. لا أكثر.
هؤلاء يواصلون وجودهم في البرلمان ل" مرافقة" خطة الرئيس المتغيرة حسب ترتيبات الغرف السرية العاملة في القصر.. وحوله.. وفوقه.. وربما حسب مشاعر الرئيس أيضا.
4_ بقي اتحاد الشغل صاحب مبادرة الحوار الوطني التي تخلى عنها بكامل إرادته "المتواطئة"... رضي التنفيذي الحالي للإتحاد أن تهان المنظمة وتُلقى مبادرته في المزبلة من طرف الرئيس أولا ومن طرف أحزاب قياديه ثانيا (الوطد والعمال والشعب وبقايا أخرى).
واكتفى بصفقة مخزية مع الحكومة : أن يواصل الجلوس معها في بيت الحكمة في شبه حوار وطني فني.. حوار بالتقسيط والصمت المذل.. مقابل أن تؤمّن له الحكومة عقد مؤتمر انقلابي فضيحة في مدينة أعلنت الحجر الصحي الشامل.
المحصلة : جميع الفاعلين مجرمون.. ولو بدرجات.
الحل : يبدو أن لا مفرّ من "تنظيف الطاولة" بمطهّر قويّ.. "الفتّاك" مثلا.