حقيقة أن سعيّد يتجه نحو نسف كل البناء القانوني والمؤسساتي القائم. سنده المؤسسة العسكرية والأمنية.. و"عمق شعبي" يباهي به، ممثّلا في جمهور افتراضي وحقيقي لا علاقة له بالسياسة، وهو أشبه ما يكون بميليشيات "عصائب حق وحقيقة " مستعدة لهرسلة معارضي سعيّد بكل الوسائل.. حتى أنه يتعمّد طرد المتطوعين لمساندته وإهانتهم لمجرد شبهة الانتماء لمجتمع السياسة. هو يريد جمهورا للهتاف والعنف لا سياسيين للتفكير والإنجاز.
باختصار كل مفردات العبث والتفاهة والعنف والجنون متوفرة في جبهة سعيّد.
وحقيقة أن معارضة الانقلاب لا يمكن أن يجمعها مشروع واحد :
مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" مبادرة مواطنية محترمة جدا في سياق انقلابي أرعب الكثيرين وأصابهم بشلل في التفكير والحركة (لي فيها أصدقاء أحترم نزاهتهم في الدفاع عن الديمقراطية ومستعدّ لمشاركتهم كل خطواتهم في طريق إقامتها.. ولدواعٍ أخلاقية أتحفظ على تقييمها الآن)..
مبادرة التيار والتكتل والجمهوري المتأخرة أحترمها.. أثق في صلابة محمد عبو النضالية رغم كل أخطائه.. وفي الرؤية السياسية لحزب العمال المستهدف داخل اليسار نفسه.. وفي عمق الرؤية السياسية لنجيب الشابي تحديدا.. وهو عندي السياسيّ الأعمق خلال عقود.
ولكن هؤلاء جميعا لن يجتمعوا مطلقا... :
أولا لأن شبح النهضة المتربصة خلف الستار لتجني ثمار أي حراك ضد الانقلاب يمنع "المعارضة الحداثية" من مشاركتها أي مبادرة جذرية لإسقاط الانقلاب.
ثانيا لأن جمهور النهضة السطحي الذي لا يترك فرصة للتنكيل بكل خصومها وهرسلتهم.
ثالثا لأن مرض الزعامة يخترق خلايا دماغ الكثير من سياسيينا...
وأشياء أخرى.
لكل هذا.. وفي السياق الحالي.. أقول بكل ألم :
مستعدّ أن أقدّم روحي فداء للحرية والديمقراطية الحق.. ولكنني سأحتقر نفسي إن ساهمت بذرّة جهد واحدة في عودة منظومة العبث، والقماءة، والبذاءة، والانتهازية.. وهي للأسف الجهة الوحيدة الجاهزة بديلا عن انقلاب يفوقها في كل ذلك.