هناك فئة ليست قليلة من جمهور المعارضة لا تخفي سعادتها بهذه الإشاعة.. وحتى شماتتها. هذه الفئة تتعامل مع السياسة بعاطفة إنسانية محضة وإن بدت عنيفة. عاطفة منطلقها الأول "صدق طبيعي" في الانتماء إلى فكرة/شعور "كره الظلم" وعدم فصل الظلم كسلوك سياسي عن الظالم كشخص مادي.
يمكننا لوم هذه الفئة على "نقص في العقلنة" في سلوكهم السياسي العاطفي الذي يخلط بين الذاتي والموضوعي، بما يضفي على موقفهم شبهة اللاإنسانية. ولكننا لو طبّقنا مع مواقفهم منهج ماكس فيبر "التفهّمي"، ودرسناهم بمنهج "الحالة" وتتبعنا تاريخ معاناتهم الفردية أو العائلية بسبب انحرافات دولة القمع والتعذيب والتنكيل لوصلنا إلى تفسير عقلاني لمواقفهم هذه.
طبعا من لديه فكرة عن المنهج التفهّمي لن يخلط بين التفسير والتبرير. لأن التبرير في ذاته موقف من خارج السوسيولوجيا.. أي لا قيمة له.
بالمقابل هناك فئة موالية للنظام الحالي بخلفيات ميتاسياسية جوهرها شماتة وتشفٍّ في خصم سياسي أزاحه الانقلاب من الحكم، ولا تجتهد كثيرا في إخفاء خلفية مساندتها للنظام، هذه الفئة تشنّع على الفئة الأولى وتتهمها بتوظيف المرض في الصراع السياسي، وتريد أن تظهر في ثوب إنساني ملائكي نقي يرفض توظيف المرض باعتباره ظاهرة إنسانية طبيعية تستدعي التعاطف الطبيعي ما فوق السياسي، أي أن أبناء وعائلات وأصدقاء المعتقلين السياسيين الآن مطالبون بإبداء التعاطف الكامل مع كل من الظالم والمظلوم على الأقل من وجهة نظرهم.
طبعا كان يمكن لهذا المطلب أن يكون منطقيا لو صدر عن طرف أثبت قدرة على الفصل العقلاني الكامل بين العاطفة والسياسة، أما أن يصدر عن أطراف سياسية داست على الديمقراطية(أنبل ظاهرة عقلانية جماعية في التاريخ) بدافع الشماتة فقط، فهو نفاق رخيص وبائس.
نأتي الآن إلى الفئة الثالثة.. وهي الفئة الحزينة والقرِفة من حالة الانسداد والبؤس التاريخي التي وصلنا إليها جميعا تونسيين وعربا. صار مستقبلنا الفردي والجماعي متوقفا على حالة صحية لفرد. بو الوقت والتاريخ وكل شي.
وتبا.