ابن خلدون لم يكن قطّ ومطلقا فيلسوف الدولة.. الحديثة.. يا سالم يا باهي. الحماس لتأصيل العلوم الإنسانية الحديثة في تاريخنا لا يبرر التخلويض المعرفي. ابن خلدون حلل الآليات التاريخية.. الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لنشأة الدول وازدهارها وسقوطها.
لكن أي دول؟
إنها الدول التي كانت سائدة في بيئته المغاربية خلال القرن الرابع عشر والذي قبله. أي مشاريع التغلّب السياسي الذي يقوم بالضرورة على نواة عصبية قبَلية صلبة. نواة عصبية صاعدة تستغل تآكل العصبية الحاكمة المستسلمة لتقاليد الترف.. وتعتمد لتصعد فكرة/ طوبى/ حلما يكون مصدر شحن معنوي أخلاقي لأنصارها المتضررين من فساد العصبية المتحكمة في "الاقتصاد السياسي".. وحبذا لو تكون الفكرة مستلهمة من دين ليكتمل الشحن.
ببساطة ابن خلدون أدرك منطق انبناء الدول في عصره. ولم ينطق حرفا واحدا يدين العصبيات.. بل بالعكس حديثه عنها كان في سياق تحليل عقلاني محايد.. وتلك عبقريته.
يعني الدولة الحديثة القائمة على فكرة القانون العقلاني الراعي للمواطنة القانونية المدسترة والدامجة لكل أشكال الانتظام المجتمعي الفرعية والجزئية كالنقابات والمهن والقطاعات وحتى التقسيمات الإدارية المتقاطعة عرضا مع الجغرافيا (لا أقول الجهات).. هذه الدولة تحاور كل مكوناتها بمنطق الدولة الحديثة.. والحركات الاجتماعية الممتدة على كل رقعة الدولة منطقها حق المواطنة الكامل لا منطق "عصائبي" جهوي كما يجري تشويهه.
هل يعني ذلك أن عقل المواطنة متجذّر في وعينا الجمعي؟
طبعا لا.. ولن يكتمل هذا الوعي إلا بأن تسلك الدولة مع مواطنيها بعقل الدولة الدامجة.. لا عقل دولة اللوبيات الموظفة لمؤسسات لدولة والمحتكرة لمقدّراتها.
ابن خلدون محلاه أما راهو لا يفيدنا في فهم تاريخنا الجديد.