يطالب البعض حزب الله وإيران ب"الانتقام" لاغتيال العاروري في لبنان وقبله سليماني والمهندس في العراق ورضيّ موسوي في سوريا. ويريدونه انتقاما فوريا سريعا وكبيرا في قيمة القيادات التي استهدفها الكيان، وفي حجم الاستفزاز الصهيوني، وفي مستوى الوعود التي أطلقها كل من الحزب وإيران سابقا بالرد على هذه الاغتيالات. أي ببساطة يطالبون إيران بالانخراط المباشر والواسع في حرب ضد الكيان، الآن وليس غدا.
هل هذا ممكن ووارد؟
أجزم أن لا.
منذ بداية حرب الإبادة على غزة، وفي تعليق على أول خطاب زعيم حزب الله، قلت أن إيران لن تدخل الحرب. والأسباب التي ذكرت ما تزال قائمة. إيران لا فقط لم تشارك في اختيار توقيت معركة "طوفان الأقصى"، بل أنها لم تكن شريكا في قرار الطوفان أصلا.
الطوفان تقرر من خارج تكتيكاتها في كل المنطقة والتي تقوم أساسا على المراكمة طويلة المدى للمكاسب السياسية الجزئية لا المواجهة المفتوحة مع المنافسين الإقليميين الدوليين..( لا ننسى أن لعبة الشطرنج فارسية).
ولأنها تدرك أن حربا مفتوحة ضد الكيان هي حرب شاملة ضد أمريكا لا تمتلك شروط خوضها، لا يمكنها أن تغامر بخوضها الآن مهما بالغ الكيان في استفزازها. وقد قال نصر الله بوضوح يوم برر انخراطه التكتيكي المحسوب في إسناد غزة بأن تهديدات كثيرة تم إبلاغها إلى إيران إن هي فكرت في المجازفة بإسناد واسع. فضلا عن أن الكيان يبدو أنه قد غيّر استراتيجيته مع إيران، فبعد أن كان يحذّرها من التدخل صار يستدرجها بنوع من الإصرار بغاية إغراق إلقاء جمرة غزة التي تحرق كفه في رقعة دم أوسع.
إيران أيضا لن تنتقم. لأن الحروب لا تخاض بمنطق الثأر ورد الفعل. الحرب الحديثة قرار سياسي كلّي مكتمل العقلانية أي خال من الانفعال.
أخيرا.. القرار المقاوم في فلسطين، وإن تقاطع تكتيكيا مع القرار السياسي الإيراني الآن، فهو استراتيجيا قد يتواجه معه، أو في الحد الأدنى قد يفترق عنه.. لأسباب كثيرة ليس من الحكمة الخوض فيها الآن.
وحدها المقاومة الغزاوية ملحمة.. وتراجيديا.