كان يمكن للاحتجاج الشبابي الأخير أن يهدد المنظومة السياسية القائمة برمّتها.. أي البرلمان بكل أحزابه الحاكمة والمعارضة والحكومة ورئاسة الدولة. بفعل وسائل التواصل الاجتماعي تفاعل كل شباب المدن والقرى مع مشهد التظاهر الليلي كما لو أنه "طقس احتفال شبابي" لتصعيد القلق لدى مئات آلاف المراهقين الذين وجدوا أنفسهم مضطرّين إلى "شبه تمدرس" وملء فراغ توقف مباريات كرة القدم الشاغلة لطاقة الانتماء العاطفي"السخيف" (التفاهة جزء أساسي في الوعي الأولي)..
فصار مشهد الحرائق الليلية والمواجهات السينمائية بين الشباب والأمن المنقول في فيديوات مباشرة على اليوتيوب مغريا بالمشاركة المباشرة لدى فئة الأولاد المراهقين.. أما الفتيات من نفس العمر المحرومات من فرصة المشاركة الميدانية في المشهد فأرجّح أنهنّ اكتفين بمتابعة نرمين صفر…
الملاحظ أيضا أن كل الطبقة السياسية ارتعبت من العنف الشبابي الأخير.. لا تغرنّكم المساندة اللفظية الكاذبة للاحتجاجات في بيانات المعارضة البرلمانية التي تمسك العصا من الوسط. مع الاحتجاج وضد العنف والفوضى.. فما بالك بالمعارضة الميكروسكوبية...
رئيس الدولة نزل إلى ركن مهيَّئ في شارع ليتردد بين مساندة التظاهر والخوف من العنف. أحزاب الجبهة التي نزلت إلى شارع الحبيب بورقيبة ساهمت في تمييع الحراك الشبابي الفوضوي.. يكفي أن يخطب الرحوي وحمة ويساندا التظاهر ليفقد الحدث شحنة الأنتي-سيستام فيه.
اتحاد الشغل كان الأشد ارتعابا من تحركات الأحياء لأنه كان متأكدا أنها تنطلق من خارجه.. فسارع منذ اليوم الأول إلى المطالبة بإيقافها.. لذلك أعطى تعليمات تهدئة لهياكله عكس العادة.
طبعا الأحزاب التي تحكم حاليا.. أو التي تطمع أن يؤول إليها الحكم بالانتخاب في أقرب فرصة (عبير) كان يجب أن تردد لغة الخشب المعهودة وتطالب بالكشف عمّن يقف خلف المظاهرات.