أوروبيا ودوليا:
إيطاليا تحديدا جعلت من تونس محورا رئيسيا في سياستها الخارجية مؤخرا. سياسيوها يتحدثون عن تونس في كل العالم كأولوية إيطالية عاجلة المعلن من موقفها تعبئة الدعم المالي الدولي للنظام الحالي ليقوم بدوره في حمايتها من "جحافل" (العبارة استعملها سعيّد) الأفارقة الزاحفين عليها. ولتحفيز جيرانها الأوروبيين على فتح خزائنهم دعمت روايتها بحجة سياسية غير مستغربة من بلد ذي تاريخ فاشي: لو تباطأتِ يا أوروبا في دعم النظام التونسي الحالي ستسقط تونس في حضن الإخوان المسلمين. حجة غاية في الفجاجة والاستعمارية. ورغم أن هذه الحجة تبدو أقرب إلى الكذب الوظيفي، فهذا الموقف يبرز إلى السطح حقيقة بسيطة تحاول الديبلوماسية عادة إخفاءها، وهي أن شأننا الوطني هو شأن سياسي أوروبي داخلي. أي أننا ملف استعماري عندهم بكل بساطة.
ما تقوله إيطاليا علنا وبكثافة وإلحاح وفجاجة تشاركها فيه فرنسا. لكن فرنسا تختلف عن إيطاليا في الإخراج السياسي لموقفها، وفي درجة الحضور الفعلي الميداني في الشأن التونسي بحكم التاريخ، إذ أن جزءا مهما من النسيج الاقتصادي والثقافي والسياسي التونسي فرنسي بشكل كامل. لذلك فرنسا معنية أكثر من إيطاليا وبقية أوروبا بالشأن التونسي. طبعا ما يميز الموقف الفرنسي مؤخرا هو الارتباك والتردد بسبب المستجدات غير التقليدية في إفريقيا وأساسا دخول الفاعليْن الجديدين روسيا والصين. فرنسا منذ الثورة ثم الانقلاب لم تهتد إلى رؤية تناسب الحالة التونسية الجديدة، شأنها في الجزائر وفي كل إفريقيا التي يتراجع حضورها التقليدي فيها لصالح روسيا والصين و… أمريكا.
أمريكا أيضا تحضر في تونس بكثافة منذ الثورة. وهي تشترك طبعا مع أوروبا في الموقف العام الحريص على استمرار ربط تونس بالمنظومة الرأسمالية العالمية من خلال آليات المؤسسات المالية. ما يميزها أنها تتعامل مع تونس ضمن رؤية للإقليم والقارة. لذلك تكتفي في الأغلب بدفع ودعم حلفائها الأوروبيين المعنيين بشكل مباشر بالشأن التونسي. وتتولى هي "الماكرو" السياسي الدولي.
عربيا:
الجزائر لا تخفي تدخلها المباشر في الشأن التونسي. ورغم أنها تزعم أنها تساند تونس الدولة لا النظام الحاكم الحالي، وأنها تهتم بأمر تونس من منطلق الجيرة "الطيبة" لا أكثر، فإن ما جرُؤ على قوله مؤخرا تبون بشأن مؤامرة تتعرض لها تونس بسبب استقبالها لزعيم البوليزاريو يمثل فضيحة كاملة. تبون زج بتونس في ملف إقليمي سخيف لا مصلحة لها فيه وفرض عليها اصطفافا تافها ومدمرا وعبثيا. والحقيقة أن الموقف الجزائري من تونس يحتاج تفكيكا عميقا.
مصر حاضرة بالغياب. منذ الانقلاب ظل الحضور المصري في تونس منطقة غامضة ومجالا خصبا للخيال السياسي الذي يتأول معطيات واقعية شحيحة. قناعتي أن الانقلاب المصري المخابراتي ينظر إلى جواره الليبي والتونسي كملف أمن قومي استراتيجي.
الإمارات لا تخفي دورها كعرّاب للثورة المضادة. ميزتها الأخطر أنها، إلى جانب مصر الأضعف، تمثل الغرفة العربية والدولية لسياسة الكيان الاستيطاني المجرم.
قطر وتركيا يشتركان في الموقف العام. هما رأسماليتان إقليميتان مهمتان صاعدتان "استثمرتا" في الديمقراطية، ثم انسحبتا تكتيكيا من تونس بعد الانقلاب. ولأكون واضحا،ومن دون تفصيل أو تهويم، هما القوتان الأقرب إلى "روح التقدم" مقابل همجية وخسة النماذج التدخلية الأخرى جميعا.
المحصلة: تونس قبل الثورة وخلال عشرية الانتقال المجهض مستعمرة رأسمالية بقوانين الرأسمالية المعولمة ماليا وسياسيا.
ولكنها بعد الانقلاب صارت مستباحة بالمعنى الفج للكلمة.
تبا.