من خلالها نحن بصدد اكتشاف نماذج تونسية نادرة في الحمق والتفاهة، والسخف، والأمية، والرذالة. بهلوانات مقرفة تجرؤ على الخوض في السياسة وتريد أن تحكم بلاد هشام جعيط وبوحديبة والطالبي وعياض بن عاشور.
بناء عليه، لا أستطيع أن أحترم كل من يساهم من قريب أو من بعيد، ترشحا أو تصويتا، في مسار كاراكوزي وضيع يزجّ بحثالة المجتمع إلى مواقع القيادة السياسية التي من المفترض أن لا يتقدم إليها إلا ذوو الكفاءة العلمية والسياسية. (نعم حثالة بكل المعاني المدرسية والسياسية. إذ حتى المتمدرسون منهم وضيعون سياسيا لأن دعم انقلاب ليس موقفا سياسيا).
سيتعلل البعض بأن البرلمانات السابقة لم تخلُ من أشباه هؤلاء. أقول لهذا البعض أن التبرير لهذه الحثالات لا يليق تحت أي داع، إن لم يكن من جنس عملهم.
تباااا.
من يحكمنا الآن؟؟؟
منذ أشهر قلنا أن حكومة بودن هي حكومة الدوائر المالية العالمية، وأنها تتبع غرفة حكم تختبئ خلف واجهة كاراكوزية شعبوية رثة شغلت الجميع باستشارة إلكترونية مسخرة واستفتاء فضيحة ودستور مهزلة وحملة انتخابية حالية تثير القرف والقيء والحزن من شدة رثاثة المشاركين فيها وتفاهتهم وأمّيتهم ودناءتهم.
غرفة الحكم هذه مستمرة بتصميم في تنفيذ سياسة رفع الدعم عن المواد الأساسية الحياتية (الخبز والحليب والكهرباء والماء الغاز والايصونص...)، والتفريط في المرفق العمومي (خوصصة الصحة والتعليم والنقل)، أي هي بصدد التنفيذ الفعلي لبرنامج استعماري خالص. فرفع الدعم يعني ببساطة انتقال أربعة أخماس الشعب التونسي إلى الفقر، واستقرار جزء كبير منه في قاع الجوع والمرض، والجهل والجريمة والمعاناة.
أعرف أن تحديد الهوية السياسية لهذه الغرفة الحاكمة بدقة مهمة صارت شبه مستحيلة على بساطتها. لأنها غرفة تلاعب الجميع باقتدار مخابراتي. وهو اقتدار أثبتته هذه الجهات ب"تسريب" "ظاهرة سعيّد" لقلب العملية السياسية ثم تصعيده من تحت ركام ديمقراطية اشتغلت على هدمها ببطء وتصميم وإتقان. وهو اقتدار متأتّ أيضا من تناقض حسابات المعارضة وقابلية مكوناتها للتوظيف والاستعمال المباشر أو غير المباشر.
فالمعارضة اليوم في تونس من المستحيل أن تلتقي حول برنامج سياسي مشترك (وهو أمر مفهوم ومنطقي لأن لا شيء يجمع النهضة بحزب العمال مثلا أو ائتلاف الكرامة بالتيار الديمقراطي.. فما بالك بإتلاف الكرامة وحزب عبير.. ودعك من شعارات المصلحة الوطنية وما جاورها).
نحن الآن أمام حكومة صندوق النقد. ورئيس لا ينتمي يقينا إلى هذه الدائرة، لكنه هو الذي مكّنها من العودة (هنا نحتاج حديثا مطولا على حافة الهاوية)، وهي التي مكنته من "شهوته".
وكما قلت منذ اليوم الأول للانقلاب، يوم يعود اتحاد الشغل إلى توازنه، سيستعيد المجتمع حصنه الوحيد المتبقي بعد اضمحلال موجة التسيس الأحمق. ولكنها للأسف لن تكون عودة يسيرة بعد انغماس الاتحاد في مناورات سياسية لامست الوضاعة أحيانا.
ما زلنا في قلب المأزق.
تبا.