واضح أن الجميع في مأزق وفي حالة عجز نهائي : الانقلاب يعجز عن التقدم. والبدائل المفترضة عنه تعجز عن الفعل. وما بينهما مجتمع يتحلّل وجوده المادي والرمزي بموجات هجرة مكثفة ومجنونة تهدد بزوال قوته الشبابية.. وبانهيار درامي متسارع لمؤسساته الحياتية من تعليم وصحة ونقل ونسيج إنتاج فلاحي وصناعي وتجاري.
مجتمع يفقد وجهته ومشتركاته.
* الانقلاب انتهى خلال 14 شهرا إلى حالة غير سياسية. متفسّخ الملامح.. وأشباه بمسخ أو شبح بأفعال غير متوقعة.
لماذا؟
لأنه متعدد في داخله. تتنازعه غرف دولية أولا.. ووكلاء إقليميون ثانيا.. ومراكز فساد ونفوذ محلية ثالثا. كلها تتقاطع وتتناقض وتتبادل التعطيل والتعفين. مضافا إلى كل هذا أداء سريالي/مرَضي فوضوي عبثي وغامض لرأس/واجهة الانقلاب.
يعني أننا فعليا أمام أكثر من منقلب. أكثر من طرف خطط للانقلاب قبل 25. وأكثر من طرف نفّذ 25. وأكثر من طرف شكّل ملامح المسار السياسي للانقلاب (تشكيل حكومة غامضة ومنقسمة، ولكنها ذات صلاحيات فعلية وتفاوض المؤسسات المالية الدولية .. استشارة.. كتابة دستور.. استفتاء..). وأكثر من طرف صاغ الخطاب الإعلامي للانقلاب…
وأكثر من طرف يخطط الآن خطوات الانقلاب القادمة. من هنا يأتي غموض هوية الانقلاب وبرنامجه.
* المشاريع السياسية التي تقدم نفسها بدائل عن الانقلاب تكاد تكون افتراضية. لأن الانقلاب سحب من تحت أقدام الجميع بساط السياسة. ورغم عدم ذهابه في خيار قمعي شامل مثلما حدث في مصر، فقد قطع الانقلاب بذكاء وتصميم كل النسيج العصبي للسياسة. ألغى مجالات العمل الحزبي من برلمان وانتخابات. ويستعد لاستكمال هذه الخطوة بإصدار قانون انتخاب على الأفراد.
وهي افتراضية لأنها تستدعي كل تاريخها العدائي فيما بينها ولا تبدي أي استعداد لمراجعته. كل الفصائل السياسية القديمة تراهن على أن التاريخ س"ينصفها" يوما لأنها وحدها على حق.. وإن أقرت أحيانا بأخطاء، فهي أخطاء قليلة وبسيطة ولم تسهم مطلقا في صنع الكارثة التي انتهينا إليها.
الحل باختزال شديد (بقطع النظر عن نتائج حرب الأجندات الدولية والإقليمية التي تعتمد بالأساس أدوات محلية للتدخل) :
لا توجد قوة اجتماعية/سياسية جاهزة لمنع استقرار الانقلاب (في نسخته المدعومة من مؤسسات الاستعمار المالي.. وهي التي في طور التحميل الآن.. ولا يزعجها التقاطع مع النسخ الدكتاتورية أو الديمقراطية المقترحة للانقلاب...) سوى اتحاد الشغل.
هذا الأمر تدركه نسبيا قيادة الاتحاد. وهي تدرك أن هذا الموقع يجعلها العقدة التي يتوقف عليها مسار الانقلاب. أي أن الانقلاب لن يستقر إلا إذا نجح في محو الاتحاد أو تدجينه.
استقراء سلوك الاتحاد يحتاج تفصيلا آخر.. مع أن خلاصته قلتها سابقا : ما دامت النهضة وأحزمتها ستكون المستفيد الأول انتخابيا من ريع نضالات الاتحاد لن يسمح قياديوه بتبني نهج التصعيد ضد الانقلاب.. سيفضلونه عليها.
ويوم ينفلت العمال المتضررون من هيمنة لوبيات الفساد والجريمة على الاقتصاد.. ويتجاوزوا حسابات المركزية النقابية (كالعادة)... قد لا نجد أثرا للسياسة "العاقلة".