بالعكس تماما.. هي تتكثّف وتسفر عن أبشع وجوهها بما هي سلطة قاهرة للذوات الفردية العزلاء.. بحيث تعجن كل الذوات المسمّاة مواطنين في الدولة الديمقراطية لتحولهم إلى عجينة واحدة متجانسة اسمها الشعب.
السياسة لا تموت.. تتمدّن وتتعقلن وتنحو إلى التخفي والانسحاب الصامت لصالح الفرد/المواطن المتمثّل عقلانيا ووجدانيا لقيمها /لقانونها العام والمجرد.. أو تتضخّم وتتغوّل وتتوحّش في شكل حروب عبثية وفوضى مدمرة كما يحدث في اليمن وليبيا وسوريا والعراق... أو في شكل استبداد بوليسي قمعي قاهر…
تونس الآن تقف في النقطة الفاصلة بين الإتجاهين. وفيها كل شروط الإمكانيتين بتساوٍ عجيب.
نحن في لحظة كثافة سياسية فريدة يتعمّم فيها الشيء السياسي وتمّحي كليا الحدود بين الذاتي والعمومي. الجميع الآن معنيّ وجوديا ببقاء الدولة.. الدولة بما هي أهم وأخطر ظاهرة سياسية حديثة.
25 جويلية جرافة صمّاء... غامضة... لا أحد يعرف بيقين من وراءها؟... وهل تم التخطيط لها منذ سنوات؟ .. أم هي من التفاعلات المرَضية والعرضية لانتخابات 2019 المعقدة؟ جرافة بصدد مسح الطاولة من كل عناصر مشهد انتقال سياسي مرتبك ومخترق ومعقد بلغ نهايته.
جرافة يبدو أنها قد تطوي صفحة من تاريخ البلاد.. أو قد تطوي البلاد بكاملها؟
وددت لو أطرح أسئلة من قبيل :
1. هل يمكن مقارَبةُ ما يجري بأفكار سياسية.. تقليدية أو جديدة؟ هل يُنتج ما يجري أفكاره الخاصة (كما يبشر بعض عرّابيه)؟
2. هل نحن أمام لحظة بناء جديد.. أم لحظة تدمير لكل شيء؟
3. هل من المجدي مناقشة من يسفسط قائلا أن لم يكن يوجد شيء أصلا لنخشى عليه الدمار؟
الأكيد أن جرافة بهذا الصمم الغبيّ.. أو المبرمج بذكاء.. لا تعبأ بكل أنواع الأسئلة.