للأسف لا.
سوسيولوجيّا.. الانتفاضات الشعبية لا تكتمل وتصبح مشروعا سياسيا إلا إذا شاركت فيها وقادتها الطبقة الوسطى. أي الفئات التي تمتلك الشروط المادية للوعي السياسي. أي التي اطمأنت على وجودها المادي ووجدت الوقت لتتعلم وتقرأ وتمتلك حدا أدنى من الثقافة السياسية.
يمكن للمهمشين والعاطلين من الشباب خاصة أن يحتجوا بعنف على بطالتهم وتهميشهم.. ولكنهم لا يشكلون خطرا على النظام القائم. بل أن هذ النظام قد يسمح لهم بالتنفيس الدوري عن يأسهم ليعودوا إلى هامشيتهم وبطالتهم أشدَّ يأسا.
الذي يضمن تماسك النظام هو أنه يتحكم في حياة الطبقة الوسطى عبر الوظيفة العمومية والقانون المعلق فوق رؤوس التجار الصغار والحرفيين وقطاع الخدمات الحساس لأي غياب للاستقرار من جهة.. ومن جهة ثانية يوظّف أكثر عدد ممكن من أبناء الفئات والجهات الفقيرة في أجهزة القمع ليحقق هدفين : أولا تحويل ضحاياه إلى أدوات قمع وإيهامهم أنهم جزء من النظام.. ثم ضمان الحد الأدنى من مقومات العيش الذليل لعائلات هؤلاء.
لذلك لا معنى للفكرة "القدريّة" الرائجة حاليا القائل بأن الجوع سيسقط الانقلاب حتما.
الفارينة مثلا.. وهي أهم مادة استهلاكية أساسية عند التونسيين.. سيتضرر من ندرتها أصحاب المخابز.. سيضطرون إلى تسريح العملة وبعضهم بدأ يغلق.. وسيغلق الفطايرية وبائعو الفريكاسي والكسكروتاجية وأصحاب المطاعم الشعبية.. سيتضخم عدد البطالين والفقراء.. وستقع احتجاجات جوع وبطالة.. ومع ذلك لن يشكل ذلك خطرا على الانقلاب.
في أقصى الحالات ستكون فوضى يائسة.
متى يتحول الفقر إذن إلى محرّك تغيير اجتماعي؟
في غياب أحزاب ثورية راديكالية.. خصوصا بعد خيبة الناس في الأحزاب بعد تجربة انتقال تم اختراقها داخليا وخارجيا وتحويلها إلى كابوس.. وفي ظل استحالة تبلور مشروع إنقاذ سياسي جبهوي وطني على قاعدة وعي ديمقراطي نوعي لا يتوفر منه الحد الأدنى.. لم يبق من حل إلا أن تنتظم القطاعات المهنية في تشكيلات دفاع مهني/حقوقي /سياسي.
والمنظمة الأكثر تأهيلا، نظريا، لقيادة وتأطير هذا الحراك، هي اتحاد الشغل.
المأساة أن اتحاد الشغل يمرّ بأسوأ مرحلة في تاريخه. قيادة مهترئة فاقدة للكفاءة والمصداقية وتحمل على كتفيها وزر انقلاب على الديمقراطية داخل المنظمة في سابقة فضيحة.
إذن… سيكون جوع وفقر.. بلا عقل.