سيرة العجمي، إلى حدود اعتقاله الأخير، قصة تراجيدية/مأساوية بمفارقات عبثية كثيفة. تخصيص كامل حياته لخطّ سير سياسي وحيد إلى حد التماهي الكلي معه. والتفرّغ الوجودي للتسيّس المثالي الطوباوي.. في مجتمع "غير طبيعي/مسخ.
مجتمع لم تتوصّل نخبته العالمة الألمعية القليلة إلى تعريفه وتفكيك الحد الأدنى من آليات انهياره المستمر منذ قرون(يأس جعيط بعد كل ما كتبه حول محنة الثقافة الإسلامية والشخصية العربية وحفرياته التاريخية في الإسلام الأول… الخ، والنهاية المهينة للطالبي العظيم، والصمت الأخير لبوحديبة العالم… مثلا ).
ما يعنيني من قصة العجمي هو أنها دليل منهجي على استحالة السياسة والأخلاق والدولة في بلداننا. هو كان يتمتع بعناد أبطال الأسطورة، ولست هنا أمدحه، بتاتا، فأغلب أبطال الأسطورة يعانون اغترابا عن الحياة ويبلغون النهاية بعد أن يبددوا كل فرصهم في العيش. كان يتمتع بهدوء المحارب العنيد، وإلا لم يكن ليواصل التفرّغ للسياسة بعد قضاء سبعة عشر عاما سجنا وبعد تعذيب وحشي أورثه جسدا منهكا بالمرض.. وخصوصا بعد أن شاهد كل ما حدث داخل حزبه/بيته الوحيد/عمره.. خلال المؤتمر الأخير وبعده (للأسف ما لم يكتب النهضويون كتابة علمية ما حدث داخلهم خلال عشرية الانتقال، وقبلها طبعا، ستتواصل التضحية بالحقيقة).
وهي قصة دليل على استحالة السياسة أيضا حين نرى ردود فعل أنصاره وخصومه على اعتقاله.
الكثير من خصومه السياسيين لم يخفوا شماتتهم المجرمة كالعادة. الشماتة من أشد أنواع الجريمة، لا فقط الأخلاقية، بل المدنية. وأطالب فقهاء القانون في المدينة الفاضلة القادمة إن شاء الله أن ينصصوا على عقوبة الإعدام بصاقا على جريمة الشماتة.
قليل جدا من الحداثيين (قرأت تضامن نزيهة رجيبة وناجي جلول فقط) تعاطف معه، فإذا بعض أنصار حركته يرفضون هذا التضامن الإنساني بدعوى أنه تضامن منافق أو أنه يستثني العجمي دون بقية مساجين الحركة.. أو أنه لا يرتقي إلى أن يكون تضامنا سياسيا، أي مع حزب العجمي ومشروعه السياسي. يعني من باب "اللي شد الصبع يشد اليد الكل". البعض منهم قال أن أن أمثال العجمي في النهضة آلاف، وأنا أجزم أنه حالة فريدة ولا شبيه له في النهضة.
تراجيديا العجمي كفيلة بأن تجعلنا أفرادا وشعوبا نغلق باب السياسة خلفنا. ونواجه التيه.